القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

حوارات: المشهد النقدي الآن شللي.. حوار مع الكاتب والشاعر ابراهيم اليوسف

 
الجمعة 26 نيسان 2024


أجرى الحوار: أحمد طايل*

للإبداع والفكر والفن السوري وقع طيب لدى الشعوب العربية عامة والشعب المصري خاصة بما يتمتع به بالواقعية الشديدة والاتكاء الدائم على التراث والتاريخ اللذان هما عصب الهوية الثقافية لأى وطن، واليوم انا لتلقى الضوء عليه وعلى كتاباته ورؤيته حول القضايا الثقافية
( ابراهيم اليوسف) بحوار مع الكاتب والشاعر والقاص والروائي السوري المقيم بألمانيا
تعال نفتح معاً نافذة لتطلعنا على عالمك الإنساني والمهني والإبداعي:
لا ضير، وبكل سرور، بالنسبة للكاتب أو الشاعر فإنه أكثر من يفتح نافذته أمام الآخرين، أينما كانوا ومتى ما كانوا. كل منهم على طريقته في درجة فتح هذه النافذة، وما يظهره من خلالها، حسب خصوصية عالمه، أو رؤيته، أو إمكاناته!


* مؤكد أن لمكان النشأة الأولى والأسرة الكبيرة والصغيرة تأثيرات كبيرة على صقل تكوينك الفكرى، حدثنا عن هذا؟

حسناً. لقد ولدت في أسرة دينية. الأب. الجد. الجدود جميعهم كانوا يعنون بالعلوم الدينية. استفدت- إلى حين- من هذا العالم، حيث انعكس كل ذلك على ثقافتي الأولى، رغم تمردي المبكر عليها، وتوقي إلى الحرية. خارج الكتاتيب التي كان من المقرر أن أندرج ضمن تلامذتها، أو فقهائها، حيث كان لقب- الفقيه- يطلق على كل من يتعلم في هذه الكتاتيب، وبلغ بي التمرد أن منعت أخوتي من الدراسة فيها. أحد أخوتي درس فيها سنة واحدة، إلا إنني أرغمت الأسرة وأنا دون العشرين من عمري على العودة لمواصلة تحصيله العلمي. لم أجدني يوماً ما ملحداً، بل على العكس فإن كل دواعي الشك الذاتي كانت تدفعني إلى الإيمان بوجود خالق لهذا الكون، بعيداً عما ألحق بهذه الديانة أو تلك من أساطير وخرافات وتقويلات وتأويلات. أعجبتني الأفكار الاشتراكية. اقتربت منذ بداية شبابي ووعيي إلى عالم الشيوعيين عن طريق صديق هو عبدالسلام نعمان. كان يكبرنا بسنوات، ويتقد وعياً. كان معي في هذه الفترة عديدون تأثرنا بتلك الأفكار التي لاتزال نواها مهيمنة علي، ولا يمكنني التخلي عنها، فيما يخص العدالة. مناوأة الظلم. الاستبداد، ولهذا فأنا منفتح على الآخر، ما خلا: المحتلين. الطغاة. الظلام. اللصوص، ومن يتابع سيرتي الحياتية يمكنه اكتشاف هذا وذاك!

* التعليم بمراحلة المختلفة شريك رئيس فى تثقيف الإنسان العادى فما بالك بإنسان يمارس الكتابة وتذوق الإبداع بكل مناحية، ماذا عن دور التعليم فى حياتك الإنسانية والفكرية؟

اخترت دراسة- الأدب العربي- لدواع عديدة، ومن بينها لتكون هذه الدراسة مفتاحاً لعالم- الأدب والإبداع- ناهيك عن تميزي بالكتابة بوساطتها، منذ سنوات دراستي الأولى، إذ كانت الدراسة بها مفروضة رسمياً، ولا يسمح لأبناء الكرد الدراسة الرسمية بلغتهم، بل إن لغتنا الكردية كانت محاربة ليس في المدرسة وحدها، فحسب، وإنما في: الدائرة، وكانت الكتابة بها محاربة حتى في الشارع والحي. اللغة العربية مطواعة بالنسبة إلي، ورصيدي اللغوي بها عال، فلا أتلكأ في الكتابة والنطق بها. إنها لغة القرآن الذي تعلمت تلاوته قبل دخولي المدرسة. لغة الكتابة الرئيسة لدي، نتيجة مجمل الظروف التي مر بها الكرد في سوريا، في ظل الاضطهاد والظلم والسعي الدؤوب لمحو الهوية الكردية، على نحو خاص!

* الكتابة الأولى لك، كيف كانت، وهل عرضتها على العائلة وما رد الفعل تجاه هذه الكتابة؟

كنت أؤلف، في طفولتي، بعض نصوص السجع الساخرة، وكانت تحوز على رضا من حولي. أكتب رسائل بعض الذين لا متعلمين في بيوتهم، ليوجهوها إلى ذويهم، قبل أن تلفت مواضيع- التعبير- المدرسية نظر بعض أساتذتي، فيقول أكثرهم:
اعتمد على نفسك. لا تستعن بأبيك، بل إن هناك من عاقبني بالضرب على يدي وهماً منه بأن أحدهم قد كتب لي وظيفة التعبير البيتية. في الوقت الذي كان أبي يبدي إعجابه بما أكتب. كان هناك من يرافع عني من الطلاب المتقدمين علينا والذين يتابعون تعليمهم في القاعة الواحدة التي تضم ستة صفوف، مؤكدين أن لدي إمكانات تعبيرية جيدة. فيما بعد صار كثيرون من التلاميذ والطلاب يستعينون بما أكتبه لهم في هذا المجال، لاسيما في المرحلة الإعدادية، وما بعدها إذ غدوت ملاذ الطلاب يستعينون بموضوعاتي في التعبير، بل إنهم كانوا يرهقونني بإلقاء حمل كبير على كتفي ألا وهو كتابة: المواضيع الأدبية عنهم.
في بداية مرحلته الثانوية. أتذكر، أنني نسيت بعض أبيات الشعر في امتحان الثانوية التي تقدمت إليها- بشكل حر- بسبب فصلي من المدرسة، فقولت سليمان العيسى وغيره من خلال كتابة أبيات شعرية ليست لهم تطابق بنود: الموضوع الأدبي، ويبدو أن اللعبة انطلت عليهم، وهوما فعلته حتى في الجامعة- مع أحد الأكاديميين الأعلام- رغم أنني استظهرت خلال مرحلة الجامعة آلاف الأبيات الشعرية!

* ما الكتاب الأول الذى قرئ من قبلكم وكان سببا رئيسيا في الارتماء فى عالم الكتابة والثقافة؟ وهل تعود إلى قراءته للآن؟

الكتب الأولى التي قرأتها كثيرة، وذلك لأنه كانت في بيتنا مكتبة منزلية. أكثر كتبها كانت دينية. من بين الكتب الأولى التي قرأتها: نوبهارا بجوكان- للملا أحمد الخاني الشاعر الكردي العظيم حيث كان أبي وعمتي قد وجهاني إلى قراءته واستظهاره، منذ الطفولة، بالإضافة إلى ديوان ابن الفارض وبعض الشعراء المتصوفة، ومن بين الكتب المهمة التي تأثرت بها رواية" مم وزين" التي استلهمها المفكر الإسلامي الشهيد محمد رمضان البوطي من ديوان- مم وزين للشاعر خاني- لا أخفي أني أفردت للمسرح مكانة خاصة ضمن عالم قراءاتي، خلال سنوات عدة، وأنني قرأت الرواية- خبط عشواء- قبل أن ألتقي بالأصدقاء: إبراهيم محمود- جمعة جمعة- عبدالسلام نعمان- عبداللطيف عبدالله إلخ، باعتبارهم كانوا أكبر سناً وتجربة، وقد سبقوني إلى الدراسة الجامعية، على نحو خاص، ويعينانني وأنا ابن العشرين سنة على اقتناء كتب وازنة!

* المواجهة الأولى لك مع جمهور المثقفين والنقاد وعرض عمل لك، كيف استقبل، وما مردود هذا عليك لتستمر برحلة الكتابة؟

عملت- بداية- في المسرح، وألقيت الشعر في أمسيات شعرية، كما وكتبت القصة، وأنا دون العشرين. لقيت الاحتفاء الكبير بما أقدم. نشرت نتاجاتي الأولى- كيفما كانت- قبل أن يتم نضوجي الفكري، وأتخير المنابر، وأراسلها وفق قناعة حقيقية، مسؤولة، لاسيما بعد حادثة توقيفنا في مخفر الحي الغربي وكان معي من أعضاء الفرقة المسرحية الذين تم توقيفهم: جمال جمعة- الفنان كانيوار- وكل طاقم مسرحية- الطبيب الأمي- وكان ذلك بسبب تحريض من موظف في المركز الثقافي. حرض رئيس المركز الثقافي لإيقاف الفرقة في المخفر، إلى مدة ساعات. لايزال الزملاء يتذكرون ذلك، ناهيك عما جرى لي وأنا أحاول عرض مسرحية القنبلة في الحسكة، في فترة- تنفيذ جريمة مدرسة المدفعية من قبل الضابط- إبراهيم اليوسف- إذ جاء على بوستر الإعلان عن النشاط: قريباً القنبلة في المركز الثقافي في الحسكة: تأليف رياض عصمت. إخراج إبراهيم اليوسف، فاستغلها المحرضون للتأليب علي والفرقة!

*من أول من آمن بأنك تملك مقومات وبدايات كاتب مميز؟

كان لأبي دور كبير في تشجيعي على القراءة والكتابة، إلا إن عزوفي عن كتابة قصيدة العمود، والتفعيلة التي تقبلها أبي على مضض، بالإضافة إلى موقفه من قصيدة النثر التي كان يراها غير منتمية إلى الشعر والسرد جعله يتخذ موقفاً" نقدياً" مما هو حداثوي لم يستسغه. بعض معلمي شجعوني كثيراً. أبرزهم معلمي إبراهيم آلوجي. سليمان طاهر. حيث كان آلوجي يكتب إلا إنه عزف عن الكتابة، وهكذا سليمان طاهر ابن الدرباسية الذي تفاجأت به يحضر أمسية شعرية في- مدينته- وعلمت بأنه أصدر كتاباً وأكثر. فيما بعد كثر المهتمون بي. أول حوار أجري معي تم من قبل الشاعر إبراهيم الجرادي في جريدة الثورة، في أوائل الثمانينيات. الحزب الشيوعي عنى بي كثيراً: الشاعر الدكتور نبيه رشيدات الذي تمت بيننا صداقة مميزة. حقيقة إن أسماء سلسلة المهتمين بي- أولي الفضل المعنوي- تطول، وأحاول في كل حوار أن أذكر بعض هؤلاء!

* العمل الأول المصدر لك وطرح للعرض، هل احدث وقعا طيبا ولفت الأنظار إليك؟

أول مجموعة شعرية صدرت لي كانت بعنوان" للعشق للقبرات والمسافة" قدم اتحاد الكتاب في سوريا المعونة النقدية لتقديمها في العام 1984 إلا إن طباعتها تأخرت للعام 1986. أشرف على طباعتها كل من إبراهيم الجرادي. صقر عليشي وليد إسعيد حكم البابا الذي كان صديقاً آنذاك!

* ما طقوسك الاعتيادية بالكتابة؟

بت حالياً، أوثر الوحدة أثناء الكتابة و الابتعاد عن الضجيج، كما كنت في مرحلة ما. رغم تذكري أنني تحت وطأة الضرورة- في أواخر ثمانينيات القرن الماضي- كنت أكتب مقالات مطولة. قصصاً. نصوصاً شعرية في مقهى ما في حمص أو دمشق، بعد أن خيل إلي أن الكتابة ابنة العزلة. الآن ما عدت أستطيع الكتابة إلا وأنا وحدي في مكتبتي. أسمع الموسيقا. أحتسي الشاي أو القهوة. غالباً ما أؤثر ارتداء لباسي الرسمي، وكأنني مدعو إلى حفلة عرس أو مهرجان شعري.

* ما المعايير والأهداف التى توضع أمام ناظريك حين الكتابة؟

أمران أحرص عليهما فيما أكتب وهما الجانبان الرؤيوي والجمالي، ضمن معادلة أزعم المقدرة على دمجهما. لم أكتب إلى الآن ما لا يخدم رؤيتي كإنسان ذي خصوصية. كل ما أكتبه أنا مسؤول عنه: جمالياً ورؤيوياً. ثمة تحولات كثيرة تتم من حولي إلا إنني أراني وفياً مع كل ما كتبت في كل مرحلة زمنية، حتى وإن كان التفكير بمعاناة من حولي أشغلتني طويلاً عن هاجس الكتابة الجواني الدفين، وهو ما لست بنادم عليه، رغم خسارتي الاستراتيجية مقابل خدمة ما قد يعد آنياً، ومن مهمات: السياسي. الصحفي، إلا إن وجود فراغ كبير في هذا المجال كان يدفعني إلى مثل هذه الكتابة.

* ماذا عن الزمان والمكان فى أعمالك؟

أكتب اللحظة، ضمن إطار الأمس والغد، غير إن مكاني الأول. أمكنتي التي مررت بها وأمر تظهر فيما أكتبه دائماً. أستطيع الكتابة- هنا- ضمن هذه الحدود، ويظل سواه من مهمة الناقد الحذق، أنى وجد!

* علام تكون اتكاءاتك الكتابية؟

فتحت عيني في بيت كردي، كما أشرت. الأب رجل دين. عالم في شؤون الدين. مكتبة البيت التي ورثها أبي عن والده عن جده عن جد أبيه كلها في الفقه وعلوم الأدب والثقافة، بالإضافة إلى كتب جد قليلة من الأدب الكردي: ديوان الخاني. الجزيري. إلى جانب دواوين المتصوفة التي أولع بها أبي. أمي كردية. أكثر مرضعاتي كرديات منهن تلك البقارية الأصيلة التي تكلمها أكثر نسوة القرية بلغتها، وتكلم هي أمي وبعض الجبليات كما مرضعتي مريم بالكردية. جزء عم وسورتا يس وتبارك وغيرهما إلى جانب قصائد كردية مكتوبة أو يرددها أبي في صباحاته تلك منابع ثقافتي الأولى قبل أن أتعرف على الحزب الشيوعي وأنضم إلى هذا الحزب وأعمل ضمن صفوفه إلى أن أغادره.

* ما تأثيرات الغربة عليك؟ ماذا أضافت وماذا سلبت منك؟

كنت من هؤلاء الذين لا تعوضهم جنات العالم كله عن بيتهم الذي ولد فيه، أو اضطر أن ينتقل إليه، ضمن مع أسرته. كانت دمشق إحدى أجمل المدن في نظري إلا إنني كنت أختصر زياراتي إليها لأعود إلى مدينتي، رغم إنها مركز الثقافة والمثقفين. سافرت إلى أوربا، وكان في إمكاني التقدم بطلب اللجوء، لتوافر شروطه، باعتباري من أولاء المحاربين من قبل آلة النظام، ورغم إنه كانت عودتي مغامرة إلا إنني لم أتردد في العودة من دون أن أولي أي اهتمام بالإغراءات أو مخاطر العودة. كما إنني رفضت العمل في الخليج، قبل أن تضيق أنشوطة الملاحقة حول عنقي، وأتلقى التهديدات والوعيد.
إذا كانت الغربة قد قدمت إلي الأمن والأمان، والضمان الصحي والحياتي، إلا إن الحياة هنا أشبه بباقة ورود بلاستيكية. الحياة هنا نسخة مزيفة. بلا نكهة أو طعم، لم أتمكن من الاندماج فيها. وصلت أوربا كان عدد كتبي المطبوعة أقل من عشرة كتب، إلا إنها الآن تزيد عن الثلاثين كتاباً. نشرت هنا جزءاً من سيرتي وبعض الروايات، ناهيك عن المخطوطات، والكتابة: مسوغ وجودي في هذه الحياة، إلا إنني كنت أقبل أن أعيش في أمن وسلام في وطني، متخلياً عن كل هذه الرفاهية المزيفة التي ما كنت أفكر بها لولا هذه الحرب اللعينة التي اندلعت في وطني، في ظل هيمنة آلة الاستبداد والقهر والتمييز القومي.

* نظرتك للواقع الثقافى العربى والغربى، ما هى؟ وهل تستطيع الثقافة العربية مقارعة الثقافة الغربية وكيف؟

مازلت أتواصل مع الأدب الغربي، من خلال أقنوم المترجم منه، لذلك فإن ما يصلني منه ضئيل، شأن أي مواطن في بلدي سوريا تصله الكتب الأجنبية المترجمة، فحسب. قرأت أعمالاً غربية عظيمة في مجال الرواية والنقد والمسرح والشعر، إلا إن هناك إبداعات في عالمنا الشرقي تكاد تبز إبداعات الغرب. ثمة أعمال روائية مكتوبة بلغاتنا تتحقق فيها كل شروط التمايز والتجاوز ومقومات العالمية، إلا إن سياسة الغرب في تسليط الضوء على إبداعاتنا هي وراء تحجيم أو نجومية هذا العمل أو ذاك، وكسؤال سريع: كم عبقري كتابة وإبداع في الغرب في وزن إبراهيم محمود وسليم بركات إلا إنهما لا يزالان مجهولين غير معترف بهما بعيدين عن التكريم، هل نعد هذا نتاج لعنة الشرق بعامة واللعنة التي تخص الكردي على نحو خاص. أقرأ كثيراً من الروايات التي تنال جوائز رفيعة فلا أرى روايات سليم بركات أقل منها، مع الإشارة إلى إن سليماً يعاني من لعنتين. إحداهما من قبل الرقابات العربية والأخرى من قبل الغرب الذي صنع خرائط مزيفة لبعض بلدان الشرق وأبعد كرد الله عن معادلاته!؟

* ما دور النقد في رحلتك الإبداعية؟

حظيت بنصيب لا بأس به من النقد، كما إنني ظلمت في بعض الأحيان، في هذا المجال. أن تكتب حوالي أربعين قراءة لرواية لي، وأنا لست في موقع إعلامي، ولست في موقع متوسل النقد، أو متسولة، أو سائله، كما إنني لست من هؤلاء الممالقين للنقاد لاستجرارهم إلى- فخ الكتابة عني- رغم إنني كتبت في ربع القرن الأول من عقود حياتي عن كثيرين وقدمت كثيرين، وثمة من هم أصحاب منابر وحضور ثقافي كنت وراء رعايتهم أو تقديمهم أو توفير وسائل النشر لهم، وكثيرون من هؤلاء ما إن يتوهم أنه حقق ما يصبو إليه، حتى ابتعد عن كل من سانده، أو كل من لا يقبل بأستذتهم التي يتوهمها.
ثمة نقاد منصفون، على امتداد خريطة القراءة أنصفوا بعض أعمالي، من خلال غربلة نتاجي، وتبيان جانبيه، وهؤلاء من يدفعونني إلى الثقة بالذات والآخر.
ذات مرة، وقف أحدهم على أحد المنابر وراح يعدد أسماء من ساندوا تجربته- وكان كل هؤلاء من الأسماء التي تعرف عليها بعد تقديمي له- فرفعت صوتي من بين الجمهور قائلاً: وماذا عن أول قصيدة ترجمتها، لتكون أنموذج نصوصك التالية؟ وفي هذا إشارة شخصية إليه، إلى ظاهرة نكران الجميل.
في المقابل، ثمة من يكبر باعترافه بمجرد قراءتي وتقويمي لنصوصه الأولى، ونشري لها، أو تقديمي له في منبر، ولايتورع عن ذكر ذلك. شخصياً، أشير إلى كل من وقفوا إلى جانبي في بداية تجربتي وأنظر إليهم بعين التقدير.

* من أكثر تأثيراً على الآخر: السياسة أم الثقافة؟ ومن منهما الأولى أن يكون مؤثرا على الآخر؟

لا أتصور أن المبدع يستطيع التخلص من السياسة، كما إنني أرى أن من يرفع صوته بضرورة-قتل السياسة- فإنه يجسد في الوقت ذاته موقفاً سياسياً. موقفي الرؤيوي الجمالي يهيمن على مساحة واسعة مما أنتجت حتى الآن.

* ما وجهة نظرك في مسألة المجايلة الأدبية؟ وتقسيم الأدب إلى أدب ذكورى وآخر كتابة نسوية؟

أعتقد أننا تجاوزنا مثل هذه التقسيمات التي كان يتم الحديث عنها في أواخر الستينات وفي سبعينيات القرن الماضي. نحن الآن، أم أحد طرفي ثنائية: الإبداع واللا إبداع!

* ما طموحاتك الأدبية؟ وهل للكتابة سقف معين للطموح؟

أعتبرني لم أكتب ما أريده حتى الآن. أطمح أن يتاح لي الوقت والظرف المناسبين لإنتاج ما أحلم به، ولما أنتجه بعد بسبب انهماكي بالتفكير بالآخر: حياتياً وإبداعياً، إذ كرست جل عقود حياتي في سبيل ذلك!

* هل لمهنة الكاتب تأثيرات على كتاباته؟

قد يستفيد الكاتب من المهنة الحياتية التي يمارسها. قد يتناولها في إبداعه، بهذه الدرجة أو تلك، قد يظل أسير هذه المهنة، إلا إن هناك من قد لا تجد أي أثر لمهنتهم الحياتية فيما يكتبون. كيف يحصل ذلك؟ هذا ما يحتاج إلى دراسة لتناول الظاهرة!

* متى يتوقف الكاتب عن الكتابة؟ وهل للكاتب عمر افتراضي؟

أعتقد أن صاحب الموهبة الحقيقية يمتلك ينابيع لا تجف البتة، إلا إن توقف الكاتب عن الكتابة يتم تحت سطوة ظروف حياتية تمنعه من مواصلة الإبداع.

* كيف ترى الفاعليات الثقافية من معارض وصالونات ثقافية؟ وكيف ترى الجوائز الأدبية هل تخضع لمعايير أخرى غير المعايير الأدبية؟

شخصياً، أشتغل على هذا الجانب. أعنى بالصالونات. أعنى بالجوائز. أعنى بمعارض الكتب. أدرت طويلاً ملتقى ثقافياً. منتدى، باسم" ملتقى الثلاثاء" أو منتدى الثلاثاء منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي. هذا الملتقى استطاع أن يقدم أسماء عديدة في مجالات مختلفة، ومازلت حتى هذه اللحظة أعنى بمثل هذه الصالونات أنى حللت!؟

* كيف ترى المشهد النقدي الحالي؟ وهل هو بالفعل له تأثيرات بالشكل المطلوب؟

المشهد النقدي الآن شللي. كثيرون من نقادنا يمارسون النقد تحت سطوة العاطفة، في وجهيها المتناقضين. أمام عيني أكثر من ناقد حدثاني عن عمل أدبي لأحدهم- مثلاً- بأنه رديء، إلا إنني تفاجأت بأن كليهما قدماه في إطار الأعمال الإبداعية الخالدة. لا أريد أن أسترسل-هنا- لئلا أقارب من كشف ما لا أريد كشفه، من خلال أسماء ومواقف عيانية!

* من الكاتب والكاتبة اللذان أنت دائم البحث عن إصداراتهم؟

أقرأ كل ما هو مميز إبداعياً أياً كان مبدعوه. ثمة أسماء أصدقاء كثيرين أقرأ لهم

* لو خيرت أن تنتمى لجيل معين، ما الجيل الذى تمنيت الانتماء إليه وأسبابك؟

جيل الثمانينات الشعري. جيلي الذي ولد في الستينيات. الجيل الذي رأى كل شيء. جيل شعري ابتعد عن الضجيج. ابتعد عن الشللية، جيل التحول ما بين مرحلة السبعينيات وما يليه من أجيال. الجيل الذي يكاد يجهز على ملامحه رغم الرصيد الكبير الذي أنجزه كثيرون من أبنائه.

* ما العمل الذى تعكف عليه الآن؟

ثمة مخطوطات كثيرة أقوم بجمع فصولها، محاولاً إعدادها وتقديمها للطباعة. بعضها في مجال السياسة. بعضها الآخر في مجال الأدب.

* ما العمل الذى تمنيت أن تكتبه لكاتب آخر؟

يوماً ما لم أتخيل أن أكون مؤلف أي عمل إبداعي لسواي. ما أكتبه هو أنا، وما يكتبه سواي فل صلة لي به، إلا من بوابة التلقي القرائي.

* ما المشروع الكتابي الذى تحلم أن تكتبه ويخرج للنور؟

اشتغلت سنوات طويلة على مشروع كتاب عن صلاح الدين الأيوبي، جمعت ما يلزم من أرشيف. أتذكر كانت مكتبة أحد أوائل مربي قامشلي- عباس إسماعيل مدرس التاريخ- والد أستاذي البروفسور فاروق عباس إسماعيل- الذي استعنت بأرشيف واسع من مكتبته، بين العام 1990- 2000. لخصت الكتب على- بطاقات- معينة، إلا إنني سوفت الاشتغال على المبحث، بعد رسم هيكل الكتاب، نتيجة أمرين: العمل الحزبي اليومي- الانشغال بقضايا الناس، بالإضافة إلى هدر وقتي في معمعان العلاقات الاجتماعية، ليضيع المشروع كما مخطوط كتابين عن- الإيزيدية- نشرت بعض فصولهما، إلا إن تغير نظرتي للمخطط الذي انطلقت منه دعاني لإرجاء المشروع الذي هدرت الكثيرمن الوقت في قراءة أسفاره، مستعينا ً بمكتبات بعض الأصدقاء المقربين، بالإضافة إلى أكثر من كتاب من كتب أبي! أشعر الآن أن الوقت يهرب من بين يدي.

* ما العمل الأثير لديك أو الأكثر قربا اليك من بين أعمالك؟

عملت في مجالين اثنين خلال حياتي هما: التعليم والصحافة إلى جانب الاشتغال في المجال الإبداعي. هذان المجالان أحببتهما كثيراً. لقد تعلمت مهنة الخياطة وأنا في السادسة عشر من عمري. افتتحت محلاً للخياطة" سميته أزياء العندليب" عندما كنت مغرماً بصوت" عبدالحليم حافظ" الذي كنت أتحول إلى- ناسك في صومعة- وأنا أسمعه، إلى جانب أصوات فنانين وفنانات كرد: محمد شيخو- عيششان ومن ثم شفان برور إلخ.

* اذا أردنا وضع عنوان لإبراهيم اليوسف، ماذا يكون؟

الكتاب!

* لو عاد بك الزمن هل تختار الرحلة الاغتراب نفسيهما؟ وإلى أي شيء تشتاق إليه بموطنك الأصلي؟

يوماً ما لم أختر الغربة. تحملت ظروفاً جد صعبة، إلا إنه بعد أن باتت حياتي مهددة، وحوربت في لقمتي، وضاق بي الوطن، فقد اضطررت إلى السفر للعمل خارج البلاد، على أمل أن تجري تحولات جذرية عما قريب، كما كان الواقع يتطلب ذلك، إلا إن هذا الحلم ذهب أدراج الرياح، وها يكاد يمضي عقدان من الزمان على مغامرتي الاضطرارية من دون أن يعود إلينا الوطن، أو نعود إليه!؟
الوطن، كامرأة لا يجزأ. كل ما فيه يشدني نحوه، ماعدا ما هو دخيل عليه من بشاعة للظلم وأدواته. طبيعي أنني أحن إلى أمكنتي في الوطن: مسقط الرأس. أطلال البيت الذي ولدت فيه. بيتنا في قامشلي الذي كبرت فيه وولد فيه أطفالي الذين أصبحوا آباء وأمهات. شارع البيت. الحي الذي نشأت فيه.الطريق اليومي إلى المكتبات. المدن الأثيرة التي عشت فيها، وأحببت فيها، إلا إن سؤالاً صادماً يظهر لي كلما استرسلت مع حلم العودة بعد سقوط آلة الظلم ألا وهو: ترى ما الذي يبقى من كل تلك الأمكنة إن كان كثيرون من كائناتها غائباً عنها!؟؟
 
 
 
* روائي وكاتب وصحفي مصري
 
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.33
تصويتات: 12


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات