إن نظرة هادئة، فاحصة، متأملة للواقع السوري، لا بد له أن يمدنا بانطباعات عديدة، وبزاد كاف من المعرفة والوقائع، وكل ذلك يضعنا إلى حد بعيد في تصور واضح عن الواقع السياسي الراهن، ومن خلال ذلك يمكننا أن نستمزج تطلعات الأطراف السياسية المنسجمة والمتضاربة، للخروج برأي أو تحليل هو أقرب إلى الصواب، وبالتالي إمكانية السير قدما في السكة الصحيحة..
المسألة التي يتفق حولها الجميع ولو نظريا، هي مسألة الإصلاحات والانتقال الديمقراطي، أي وجوب الإصلاحات على صعيد البلاد كمطلب وطني يتجلى على الصعيد الشعبي والجماهيري، ولو أن ترجمتها من أصعب المسائل الشائكة وسوف تكون مدعاة للخلاف والاختلاف كما سنرى،
1ــ النظام، السلطة، القوى الحاكمة..
حاولت في البداية أن تستهين بالحراك الشبابي، وألا تأخذه في الحسبان، لكن توسع رقعة هذا الحراك، وتواصله كل هذه المدة، والتصعيد من لهجة الشعارات، إلى أن وصل السقف بالشعار الأشهر (إسقاط النظام) وتفاقم المسألة بتصعيد المظاهرات، وتزايد من سقوط عدد كبير من الشهداء، هذا ما حدا النظام ليقرّ بأزمة تعصف حقيقة بالبلاد..
2ــ الحراك الشبابي، هذه الظاهرة برزت على الساحة السورية دون أن يتنبأ بقدومها أحد، وهي حركة شبابية حظيت بشعبية هائلة وحماس منقطع النظير، وبسقف عال من شعارات راديكالية حاسمة، توّجت أخيرا بشعار إسقاط النظام كما نوهنا، هذا الحراك هو خليط من قوى عديدة ذات رؤى متباينة، جمعهم هدف واحد هو التوق الشديد للحرية والديمقراطية..
3ــ القوى المعارضة المشتتة والملاحقة والضعيفة عموما، تدخل في قوامها أيضا القوى الكوردية، رغم ذلك سنفرد للمعارضة الكوردية حقلا خاصا بها، وضعف هذه القوى مرده بالأساس هو رد فعل النظام العنيف، ورصده لأي حراك سياسي لا يقر له بالقيادة بل حتى بالولاء والتبعية، والمادة الثامنة من الدستور تقر بهذه التبعية ورغم كل شيء، فقد برزت أسماء لامعة على صعيد الوطن السوري، كانوا في أغلبيتهم نزلاء السجون..
4ــ القوى الكوردية هي حقيقة القوى الأكثر تنظيما، وفي الوقت ذاته القوى الأكثر تنظيمات وخصومة فيما بينهم، وفيهم من يشك حتى في إخلاصه وولائه للحركة السياسية الكوردية، وهي إلى الآن لم تستطع أن تأخذ موقفا موحدا في كثير من القضايا، فمازالت مترددة، وكثيرا ما تبدو عاجزة في التقرير لموقف جامع، مع الريبة المتبادلة بينها وبين المعارضة العربية، ويسري في بعض فصائلها شيء من الوهن، والترهل في بعض رموزها.
5ــ القوى الإسلامية ذات الخطابين، أو ذات الوجهين، قوى مؤيدة للنظام، كالبوطي والحبش، وسواهما من دعاة إطاعة أولي الأمر كالشيخ المفتي حسون، وقوى معارضة في الضفة الأخرى مناوئة للنظام، والأخيرة رغم تواريها لفترة طويلة، فهي تبدو اليوم من أكثر القوى ظهورا وتواصلا وتلاقيا ونشاطا، كما تجلـّى ذلك واضحا في لقاءات المعارضة التي تمتْ خاصة في تركيا..
ما نستطيع قوله أن القوى المعارضة الإسلامية لم تزل تسيطر عليها القوى الظلامية، فلم تستطع أن تجدد نفسها، وهي ذاتها قوى إقصائية لن تقبل مطلقا باللعبة الديمقراطية، ولا بالبديل الديمقراطي، ويبدو لي أن هذا الانتشاء جاء الحركة الإسلامية جراء العطف والرعاية التي ربما تلقتها من لدن دول إقليمية، عربية وغير عربية، وما يؤكد هذا السلوك من الغرور والتعالي من جانب هذه القوى الدينية هو تجاهلها التام للوجود الكوردي كقوى حية في المعارضة لدرجة الاستهتار…
وبالمقابل وبنفس الدرجة أقول أن القوى الكوردية التي تمثلت في مؤتمر استانبول لم تستطع أن تكون مقنعة، كان عليها أن تركز على حالة الإهمال والتهميش من قبل الجماعة الإسلامية، وليس على حالة تبديل شعار ما بشعار آخر..
كنت أتوسم في الأخ الدكتور عبد الباسط سيدا أن يعالج الموضوع بحسن التصرف، وفعلا جاء انسحابه بصمت وهدوء دون أن يثير خلفه أية زوبعة، وإن وضعنا أخيرا في حقيقة الموقف..
قراءتي لعموم المشهد السوري ورؤيتي المستقبلية للحلول المطروحة هي كالتالي..
ليس أمام الكورد إلا أن يلتقوا وينسقوا فيما بينهم، وما صرح به الدكتور عبد الحكيم بشار سكرتير البارتي، في عزم قادة الحركة على عقد لقاء قريب ربما يكون من أولى البشائر السارة فلنرحب بالفكرة ونتفاءل وبالتالي ننتظر..
القوى الإسلامية لم يزل الجانب الظلامي هو المسيطر فيها، ولن يستقيم أمر الحركة، ولا حالها إذا ما بقيت أسيرة النزعة الماضوية، ولم تستطع أن تفكر بعيدة عن قوى محلية تسعى جاهدة للتحكم في قرارها ومصيرها..
القوى الشبابية لا بد لها من الاستئناس برأي قوى المعارضة من حيث هي قوى سياسية مطلعة وقادرة على قراءة الواقع والتصرف ضمن المنطق والعقلانية في ضوء ذلك..
النظام ليس أمامه برأيي غير الاستجابة لمطالب الشباب هذه المطالب يمكن حصرها في الإصلاح والتغيير، والانتقال إلى نظام ديمقراطي..