للكورد وحدهم الحق بتجريم بريطانيا وفرنسا

د. محمود عباس
 لأنه الشعب الوحيد الذي تم إنكار حقوقه الجيوسياسية، ولم يعترف به كقومية ذات خصوصية منفصلة عن محتليه، قسم وطنه بين أربع دول، في تبعات اتفاقية سايكس – بيكو التي تم التوقيع عليها بتاريخ 16/5/1916م، لذلك يحق للكورد وحدهم تقديم الدولتين إلى المحاكم الدولية ليس فقط على ما فعلوه في بداية القرن الماضي، بل ما نتج عن استراتيجيتهم من الحرمان والتخلف السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي للكورد دون غيرهم من شعوب المنطقة.
   لم تعد تولي دول الشرق الأوسط، وبينهم المتكونة على خلفية الاتفاقية أي اهتمام في السنوات الأخيرة بمناسبة مرورها، والتي كانت تدعي طوال العقود الماضية بأنها غبنت ورسمت حدودها بلا عدالة، لأنها بدأت تشعر بأن أي إثارة لها ستصب في مصلحة القضية الكوردية، فكما نعلم أنهم كانوا قبل هذه السنوات ينشرون الكتابات التاريخية ويصدرون التصريحات المنددة بما تم في بداية القرن الماضي، بل وبالمسيرة الاستعمارية التي امتدت ما بين احتلال نابليون لمصر عام 1799 إلى يوم دخول فرنسا وبريطانيا كإمبراطوريتين إلى المنطقة عام 1920م.
 في السابق كانوا يثيرونها كاتفاقية إجرامية، لم يتوقفوا يوما على التناقضات التي تضمنتها كتاباتهم ولا بما قدمت لهم الإمبراطوريتين من الإيجابيات، وكيف خلقوا لهم دول من العدم، وصيرت الحقوق السياسية لمجموعات لم تكن لها الحق ولا تستحقها، باستثناء الشعب الكوردي الذي تم إنكار حقوقه من حينه وحتى اليوم. لم يكن هناك الإنترنيت طوال القرن الماضي، فكان من السهل التعتيم على حقوق الشعب الكوردي، الجريمة السياسية الجغرافية التي أصبحت لدى الأنظمة العنصرية التي تحتل كوردستان جدلية مطلقة.
  أقنعت السلطات التي أنتجتها استراتيجية الإمبراطوريتين، شعوبها على أن الشعب الكوردي لم يكن يملك متطلبات بناء دولته ولا يحق له اليوم أيضا، وعلى هذه المنهجية تم وعلى مدى قرن كامل اضطهاده ومحاربة حراكه، اعتقلوا الألاف من المناضلين الذي كانوا يحاولون إقناع العالم وأبناء المنطقة والقوى التي رسمت خريطتها الحالية، على أنها جريمة يجب إعادة النظر في تركيبتها، وخير مثال الحكم الأخير على صلاح الدين ديمرتاش وزميلته فيغين يوكسيكداغ من قبل محاكم تركيا، وأخرين، وكيف أن المحاكم التركية هي من مخلفات الاتفاقية الكارثية المذكورة، فلو كانت التقسيمات عادلة بحق الشعب الكوردي، لكانت اليوم كوردستان موجودة، مثلها مثل تركيا وإيران والعراق وسوريا وغيرها من دول المنطقة، حينها لما كان هؤلاء السياسيين الكورد تحت رحمة سلطات الدول المحتلة، ومحاكمها ودساتيرها المبنية على عدمية حقوق الكورد كشعب.
 والأغرب تناسي الأنظمة الحاكمة، ما قدمته الإمبراطوريتين الاستعماريتين لشعوبها من الخدمات الثقافية والاقتصادية العصرية إلى جانب السياسية، وأولها تحريرهم من إحدى أبشع الاحتلالات في تاريخ المنطقة، الاحتلال العثماني، والتي طوال أربعة قرون وأكثر من هيمنتها أغرقت المنطقة في التخلف الثقافي والعمراني والاقتصادي، وبالمقابل نقلت الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية المنطقة من واقع الاحتلال المدمر إلى الاستعمار التي جلبت معها الكثير من السمات الحضارية، ومن بينها ظهور تركيا العصرية وليدة الإمبراطورية العثمانية المتخلفة، بغض النظر عن مصالحهما كإمبراطوريات نهبت العالم لتغذية ذاتها.
 لا أستغرب تكتم سلطات دول المنطقة، لأنهم يدركون أن إعادة التخطيط الجيوسياسي من جديد لمنطقة الشرق الأوسط من قبل الدول العظمى، بدأت منذ قرابة عقد من الزمن، وستستمر لعقد آخر على أكثر تقدير، أي أقل من الفترة الزمنية التي استغرقتها التركيبة السابقة، والممتدة ما بين عام 1905م إلى يوم التطبيق عام 1920 والمنتهية باتفاقية أنقره -2 المرسومة على أساسها الخط الحدودي ما بين قامشلو وديركا حمكو وتكوين لواء إسكندرونه، أي عمليا التقسيم الأخير لجغرافية كوردستان.
 أي أنها تنتبه إلى أن الخرائط السياسية الموجودة، لم تعد مضمونة استمراريتها، وأية إثارة ستسرع من مسيرة التغيير التي بدأت تتوضح أكثر بين سنة وأخرى خاصة في العراق وإيران وتركيا، وبعضها تعيش حالة الانقسام الكامل كسوريا، إلى جانب ظهور حقائق سياسية – ثقافية عصرية أهم، بفضل الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، تتعارض ما رسخت من الصور النمطية الخاطئة المترسخة في أذهان شعوب المنطقة، كتاريخ تكوين الخرائط الجيوسياسية الحالية، فأصبحت الأجيال الحديثة تعلم أن الواقع الحالي للمنطقة كانت وليدة مصالح بريطانيا وفرنسا، تتعارض مع التقسيم الجغرافي القومي والديني والمذهبي لشعوب المنطقة.
لا شك محاكمة الذات، لا بد منها، لكن السؤال هو: كيف؟ وعلى أية أسس؟ فالشخصيات السياسية الكوردية في تلك الفترة، لم تكن تملك الوعي المطلوب لجمع شمل القبائل الكوردية المتفرقة، وتقديم ذاتها في الواقع الفعلي كممثلين عن الشعب، ولم تملك الإمكانيات لحشد قوات عسكرية كما فعله فيصل ووالده حسين بن علي شريف مكة، عندما طلبت منه بريطانيا قوة عربية للقيام بالثورة ضد العثمانيين، إلى جانب هيمنة عشائر وشخصيات سياسية كوردية معتبرة كانت تعارض البديل العثماني الإسلامي.
 لذلك فمحاكمة الذات تكون بعد دراسة التاريخ ومقارنتها بالجاري، لندرك أننا إذا استمرينا على ما يتم ستكون النتائج كارثية، فما كانت عليه القبائل الكورية من التخلف وأحيانا الجهالة السياسية والقومية، حينها تعكسها اليوم الخلافات الحزبية في أوضح تجلياتها، كما وأن الذهنية الرافضة للأخر هي ذاتها، مع خلاف بسيط، وهي استبدال العشائرية بالمدرسة الحزبية، والحجج اختلفت سماتها لكن البنية ظلت هي ذاتها، لم توهن قدرة الكوردي على خلق الجديد منه وملائمتها مع الظروف والعصر، هذا الجانب هو الوحيد الذي تطور وأصبح يتماشى والعصر.
لا بد من تطوير الذات، والعمل على بنية ذهنية عصرية لئلا نعيد التاريخ ذاته، نداء لجميع الأطراف من أجل تحرير كوردستان.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
22/5/2024

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…