عقد من الزمن… وبشاعة المجتمع الدولي

عزالدين ملا

منذ أن أنطلقت الشرارة الأولى للثورة السورية في درعا، تنفس السوريون صعداء، زمن الظلم والترهيب والذل ولَّى، وبدأ زمن الحرية والعيش بكرامة. ولكن ما أن توالت سنين الثورة، وبعد أن تحولت الثورة إلى أزمة زادت من معاناة السوريين فوق معاناتهم أضعاف، وبدأ فقدانهم الثقة بمن يحاولون التبرير للنظام من جهة ومن جهة أخرى التبرير لكل هذا الدمار والخراب وتطويل الأزمة. لم يكن يعلم ذاك المواطن السوري أنه سيصبح بضاعة للتراهن والتقايض عليه، وأن ربوع أرضه الخضراء ووطنه سوريا العريقة التاريخ ستصبح مرتعاً لتصفية الحسابات بين من كانوا ينادون بالحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير، هذه الدول الكبرى أمريكا وروسيا المتصارعتان المتنافستان على فرض الهيمنة والتحكم، وبمساعدة الدول الإقليمية التي لا همَّ لها سوى إرضاء أسيادها والمحافظة على أنظمتهم، وأيضاً لـ لَيّْ سواعد بعضهم البعض.
كنا منذ زمن ليس ببعيد نرتشف الأمل والتفاؤل من قوانين حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، وأيضا كنا نرتفع همة من تلك القرارات التي تصدر من المنظمة العالمية المدافعة عن حرية الشعوب، حسب ظننا.
ولكننا خلال معاناتنا نحن السوريين وجدنا أن الوجه الآخر كان أشرس وأكثر ظلما واضطهادا، جعل من السوريين يتحسرون على أيام النظام على الرغم من همجيته وعنجهيته، كل حديث الشعب السوري الذين عانوا الويل والقهر والإذلال عن الأيام الخوالي، حيث سكناهم وموطن مولدهم والتجمعات العائلية التي كانت تنسيهم ظلم النظام، فقط كان الشعب السوري يتدفء إلى تلك الشعارات المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات، كانت عبارة عن شحن الأمل والتفاؤل بمستقبل مشرق، ويتكئ على هذه الدول التي تدعي دفاعها عن الديمقراطية وحرية الإنسان، وهذا الأمل جعل من السوريين يواجهون القبضة الحديدية للنظام الأسد الدموي.
الآن وبعد مرور عقد من الزمن والصراع يحتدم بين الدول، الشيء الوحيد التي طفى على السطح هو فرض النفوذ وتحقيق المصالح وسياسة المقايضة والضغط والهيمنة، طبعا ليس على سوريا فقط بل على جميع النقاط النفذوية والمصلحية العالمية ولكن الساحة السورية هي ساحة التصفية والتكتيك وفرض التوازن.
إكتشف الشعب السوري خلال هذا العقد من الزمن بشاعة ونذالة المجتمع الدولي، ووحشية المعاملة تجاه الشعوب المضطهدة ومدى براعة هذه الدول في تمرير سياساتها الغير الأخلاقية من خلال حاجة الشعوب الشرق الأوسطية إلى التحرر والحياة الكريمة، حيث كان الشعب السوري الحطب لإشعال نار سياسة المناطحات، فما كان منه سوى مواجهة الآلة الترهيبية للنظام، ولكن ما تحقق لم يكن سوى أنَّ الأمور إنفلت من يديه، وتحول من المظلوم إلى الظالم، فقط لأن هذه الثورة تعارضت ووقفت حجر عثرة أمام المصالح التجارية والإقتصادية لهذه الدول.
ما تحقق من الثورة السورية أو بالأحرى الأزمة السورية، أن الدول الكبرى فرضت هيمنتها على معظم الأنظمة المهددة خاصة دول الخليج العربي بتعرضها إلى رياح ثورات شعوبها، وأجبرتها على تقاسم خيراتها بطرق وأساليب شتى. كما أجبرت هذه الأنظمة إلى دفع تكاليف صراعاتها وحروبها في المنطقة. هنا في سورية إنتهت معظم المراهنات والمقايضات بين أمريكا وروسيا. الامر الذي بقيّ هو كيف يبقيهم في استمرار إستنزافهم لخيرات هذه المنطقة من أجل المحافظة على إمبرطورياتهم مدة أطول.
ما يخرج للعلن أن المنطقة مقبلة على  ترتيب جديد يحافظ على توازن استنزافهم للخيرات، والمبدأ الوحيد التي يضمن ذلك هو إبقاء الخلل ليتمكنوا من التدخل متى ما شاؤوا.
أما الشعب السوري لم يحقق أي شيء بل على العكس خسر الكثير، خسر أبنائه وأرضه وكرامته وحريته، لم يبقى له سوى الإنتظار على أمل أن القدر يحقق له الجزء اليسير لِما كان يتمناه.
ما تمَّ غرسه في عقول مكونات الشعب السوري ليس سوى ما أرادت هذه الدول غرسه في عقولهم، ليس للشعب السوري سوى بعضهم البعض، لا يحك ظهرك سوى ظفرك، لهذا ما يضمن مستقبلنا وحياتنا الكريمة أن نترك كل ما تمَّ غرسه في عقولنا من حقد وكره وعنصرية وإلغاء الآخر، وأن نفتح قلوبنا لبعضنا ومد يد الحب والوفاء والإخلاص، بذلك نلملم جراحنا ونحافظ على ما بقيَّ لنا لنبنيَّ مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة.    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين   منذ أيام يدور سجال حامي الوطيس بين كل من حزب الاتحاد الديموقراطي – ب ي د – والمجلس الوطني الكردي – انكسي – وأحزاب الوحدة الوطنية في القامشلي ، حول مسالة عقد ( المؤتمر الكردي ) وشكل وآلية المشاركة فيه ، وبايجاز صريح بشان الحصص الحزبية ، والتفرد ، والتنازع حول النفوذ ضمن اطار الوليد الذي لم…

د. محمود عباس أنقذوا سوريا قبل أن تُطْبِقَ عليها الظُلمات، قبل أن تتحول إلى كيانٍ معلقٍ في الفراغ، تتقاذفه الرياح العقائدية والتجاذبات الإقليمية والصراعات العالمية. كيف لبلدٍ يمتلك إرثًا حضاريًا ضاربًا في جذور التاريخ أن ينحني أمام هذا الطوفان المريع من الابتذال الفكري والانحطاط الثقافي؟ كيف لشعبٍ كان يومًا مركزًا للحضارة والتنوير أن يُختَزل إلى مجرد متلقٍّ لفكرٍ…

درويش محما ظهور حزب العمال الكردستاني في اواخر السبعينات من القرن الماضي، هو أسوء ما حصل للكرد في تاريخهم المعاصر، وأفضل ما قد يحصل لهم في المستقبل القريب هو اختفاء هذا الحزب بكل فروعه ومشتقاته؛ وكلما سألني احدهم عن كيفية التخلص من هذه العاهة المستديمة التي اصابت الكرد في مقتل، كنت اقول: بقاء هذا الحزب من عدمه بيد انقرة….

كنت خلال يوم الجمعة 13/3/2004م مصاباً بكريبٍ شديدٍ، حين اتصل بي محافظ إدلب السيد حسين الهدّار رحمه الله، إذْ علم بأنّني مريضٌ، وأعلمني أنّه سيزورني في منزلي.. هيّأتُ نفسي كي أدعوه لتناول طعام العشاء في مطعم الشلال في حلب، وبينما نحن في طريقنا باتجاه المطعم، وردني اتصالٌ هاتفيٌّ من السيد سليم كبول محافظ الحسكة، رددتُ عليه، وراح يسألني الدكتور سليم:…