جولات آستانا وتداعياتها الكارثية على الشعب السوري

قهرمان مرعان آغا
جاءت تفاهمات آستانا بالمُجمَل ، منذ أول جولة في 23 يناير/كانون الثاني/2017 ولغاية الجولة 16 في يونيو/تموز/2021، لعرقلة مسار جنيف ولنسف الجهد الدولي لحل الأزمة السورية ولمنع تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي /2254 تاريخ 18 ديسمبر/ك1/2015 (الذي صِّوت عليه بالإجماع ) وللتذكير ،اعتمد القرار بيان جنيف وبيانات فيينا الخاصة بالانتقال السياسي السلمي في سوريا و تضمنت تشكيل هيئة حكم انتقالية وصياغة دستور جديد برعاية الأمم المتحدة في غضون ستة أشهر ، تليها إجراء انتخابات بعد إقرار الدستور ووقف إطلاق النار والهجمات ضد المدنيين بشكل فوري في كل أنحاء سوريا .
ثمة تنصل واتهام متبادلان بين الروس والأتراك وما أدلَّ على ذلك سوى مفردات خطاب أعلام الطرفين في المواقع الرسمية بتزييل آراء المحللين المقربين من مراكز القرار ، بأنَّ (الآراء الواردة ليست بالضرورة تعبر عن الموقف الرسمي للموقع )، وهناك الكثير من الشكوك في أصل العلاقة التي لا تلبث أن تستدعي عناصر الخلاف التاريخية ، فاستيلاء الروس على شبه جزيرة القرم التترية منذ /2014 تعتبر التفاته نحو الخلف ، حيث إرث الملكة كاثرين العظيمة والروم الأرثوذوكس وما الخلاف الأوكراني سوى على ملكية شائعة من تبعات الاتحاد السوفيتي السابق ، لهذا فإن بحثْ الرئيس التركي اردوغان عن إرث السلطنة العثمانية المفقود قد تخطاه الزمن باسترداد روسيا للوديعة بالقوة من أوكرانيا ولم تكن اجتماعات منتجع سوتشي بين بوتين وأردوغان سوى مجرد حنين لكل طرف إلى ذاك الزمان ، أحدهم يستمتع بالأجواء مبصراً والآخر بالنظر متخيلاً ، وأخيراً وليس آخراً ، حيث توصف رسومات الصحافة اليونانية طائرات درون التركية المسيَّرة بمدافع محمد الفاتح ، فإن تحذيرات اليقظة هذه ، ربت أوروبا على كتفها و أفاقتها من غفوتها وهي تثير غباراً من سنابك خيل الفاتحين للقسطنطينية من البر الأوروبي لتشمل اليابسة والبحر، وأنَّ انضمام تركيا بحلتها الحالية للإتحاد الأوربي ، ليس غزواً ثقافياً مختلفاً فحسب ، بل يعتبرونها اقتحاماً لمعاقل المسيحية في عقر دارها .       
بالعودة إلى بيانات آستانا للأطراف الثلاثة (روسيا وإيران وتركيا) والتي تمحورت معظمها حول الحفاظ على وحدة أراضي (الجمهورية العربية السورية) وسيادتها وعلى وحدة الشعب السوري والوقوف في وجه الجهات التي تهدف إلى تقسيم سوريا ، بينما الحقيقة وما آلت إليه الأوضاع و واقع الحال على الأرض إلى ما هو عليه الآن وفقاً لمناطق النفوذ ، تكشف مدى تآمر تركيا على القضية السورية  نتيجة مقايضاتها مع روسيا ولحساب نظام الأسد والوجود الإيراني  ، حيث غلبت على تلك التعاملات أسلوب المافيا المحترفة وثبت بالأمر القاطع إن الدول الثلاث ساهمت على تجسيد العمل العصاباتي في الداخل السوري وخارجه ، روسيا من خلال عصابات (فاغنر) وتجنيد مرتزقة محليين للقتال في ليبيا وكذلك إيران من خلال التدخل الأمني (الحرس الثوري وحزب الله اللبناني) منذ الأيام الأولى للثورة السورية وتدعيم مشروعه الطائفي بالميليشيات من مختلف الجنسيات ، أما تركيا فدخلت بشكل مباشر واحتلت مناطق غرب حلب في البداية من بوابة جرابلس و اعزاز إضافة إلى محافظة ادلب وفيما بعد احتلال مناطق كوردستان الغربية في عفرين و سه رى كانيه وكرى سبي وتهديد بقية المناطق بالاجتياح  من خلال عمليات القصف اليومي لمناطق التماس مع قوات سوريا الديمقراطية وجعلت من المعارضة المسلحة مرتزقة مأجورين يتقدمون جيشها لاحتلال بلدهم والتعدي على حرمات سكانه ، وتجنيدهم في كل من ليبيا وآزربيجان .كما عولَّت على تمدد داعش وكان رأس البغدادي هو آخر مساوماتها خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق ترامب .  
فائض الإرهاب الذي مازالت تمارسه الدول الثلاث ، المقاولون لجولات آستانا لغاية تاريخ نسختها الـ /16/ يأتي في أولوية جملة مؤكدات متعددة ، جازمة ،على دفع الأزمة السورية بما تحمله من تبعات التآمر نحو مراحل تصفيات ما قبل النهائي وفقاً لمتغيرات أوجه الصراع المباشر على الأرض ، حسب الدور المنوط بالوكلاء المحليين ، بدءاً من النظام والجيش الوطني العائد للائتلاف والميليشيات الإيرانية على اختلاف تسمياتها ويأتي التمسك بالمآلات على الأرض التي تفتح باب الذرائع لكل منها وفقاً لمصطلح مناطق خفض التصعيد ، حيث ساهمت تلك الدول مجتمعةً على تقسيم سوريا وانتهاك سيادتها ، المستباحة أصلاً بفعل سياسات نظام الأسد الإجرامية .
هناك تغاضي تركي مشوب بالغموض والحذر عن القصف العنيف للطيران الروسي على المدنيين الآمنين ، ضمن مناطق توزع نقاط مراقبة جيشه المنتشر في الشمال السوري على امتداد الطريق الدولي بين حلب واللاذقية المعروف بـ (إم4) لهذا فإن الإحساس بالغدر والخذلان لدى أهالي تلك المناطق وخاصة في إدلب وشمال غرب حلب يتم الاستعاضة عنه من قبل الرئيس التركي اردوغان بالتهديد لاجتياح مناطق سيطرة (ق.س.د) يحدث كل هذا في ظل سكوت إعلامي إيراني مُطبق .
الاحتيال السياسي باد بوضوح بين أطراف آستانا بسبب اختلاف المصالح الحيوية وتعدد مشاريع وخطط واستراتيجيات كل منهم عن الآخر وهي تتزاحم وفقاً لحجم كل دولة في محيطها الإقليمي والدولي ، تكاد تطفوا خارج جغرافية سوريا ، يأتي هذا كله ليتراكم ويزيد من جردة حساب تضحيات الشعب السوري  خلال أكثر من عقد من الزمن ، إنها بحق ، ضريبة الدم الكبرى التي لم يزل يدفعها ثمناً لحريته وكرامته.
في 26 .10 .2021      

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…