قامشلو صامدة بمنطق العقلاء

عزالدين ملا

منذ أن بدأت الأزمة السورية وحتى الآن لم يهنأ السوريون ولم يرتاحوا من عناء ومشقة هول الأزمة وتعقيداتها، والحالة المسيطرة من فقدان الأمن الاستقرار، كلما استقر المواطن السوري وهدأ ولو بنسبة ضئيلة إلا وتم افتعال أزمة ما حتى تعيده إلى مستنقع الخوف ويشعره بحالة عدم الاستقرار.
الأوضاع التي حصلت في مدينة قامشلو جزء لا يتجزأ مما يجري في كافة المناطق السورية، في الظاهر أطراف تتصارع، لكل طرف أهدافه وطموحاته، ولكن في الخفاء تنسيق وتواصل وتكامل ومقايضات فيما بينهم، وقد تكون هناك بعض الطموحات والأهداف ولكن ليست طموحات شعبية, فقط تكون مصالح جزئية لطرف بحد ذاته أو شخصية أو لصالح جهات أخرى.
يخرج بين فينة وأخرى أزمة مفتعلة بين جهة وأخرى وأهدافها ترهيب وتوهيم الشعب لما يجري في الخفاء من مؤامرات ومقايضات تكون جميعها لصالح النظام ومن لفَّ لفيفه أو تكون لصالح الجميع عدا الشعب المنهك أصلا من كافة تبعات هذه الأزمات المفتعلة.
أما ما يحصل في مدينة القامشلي لا يخرج بمجمله من هذا السياق، الأحداث الأخيرة يمكن أن تعود بنا إلى ما قبل أكثر من شهر عندما أعلنوا عن استنفار أمني ضمن المدينة وخارجها بين النظام والإدارة الذاتية وتخللها افتعال أزمات معيشية واقتصادية من أزمة الخبز ورفع سعره وأزمة الغاز والمازوت الذي أصبح من المفقودات في منطقة ُتعد من أغنى المناطق.  
 فمن الطبيعي أن تحصل مثل هذه الأحداث بين فينة وأخرى إما لتمويه وتوهيم الشعب أن هناك من يدافع عن مصالحهم، أو لترهيب الشعب وفرض وضع عدم الاستقرار. أما عن ما حدث في هذه الفترة فهناك عدة رسائل وسيناريوهات. والسؤال الذي يفرض نفسه خلال المدة الطويلة من الهدوء: لماذا في هذا التوقيت بالذات وما هي الرسائل؟ وكيف سيكون السيناريو لتمرير هذه الرسائل.
النظام الذي بات يعد العدة لإجراء الانتخابات الرئاسية وبموافقة ومساعدة حلفائه الروس والإيرانيين، وهذا يتطلب المزيد من الحشد والطاقات، وأهم مناطق حشد هممه وإعطاء بعض الشرعية هو في مناطق شرق الفرات التي تشكل نسبة كبيرة في المساحة السورية، ولها ثقل سكاني كبير يعطيه المزيد من الزخم، وذلك في إجراء الانتخابات، هذا ما رفضته الإدارة الذاتية التي أعلنت أنها لن تسمح للنظام بإجراء الانتخابات في مناطقها. 
الإدارة الذاتية التي باتت عاجزة عن الخروج من الأزمة الإقتصادية والمعيشية التي بدأت تعصف في حياة المواطن، والتذمر وعدم الرضى والغضب الشعبي وصل إلى حد خطير في وقت يرى المواطنون أن كل شيء مفقود لديه موجود في حارة الطي مكان الحدث.
مثل هذه الأحداث هي وسيلة ضغط كل طرف على الآخر من أجل الحصول أو تمرير مكاسبهم دون ان يكون للشعب أي مكسب سوى الترويع والخوف والرضوخ للأمر الواقع.
عند افتعال مثل هكذا أحداث يريد كل طرف أن يرمي بفشله وضعفه على الطرف الآخر ويوهم الشعب أن ذلك الطرف هو المسبب لكل هذه الأزمات.
وهنا لا ننسى الدورالايراني من خلال عناصر تم شراؤهم وهم كانوا ضمن ميليشيات الدفاع الوطني المحسوب على النظام وضمهم إلى لواء الفاطميون الذي تمَّ تشكيله لزيادة هيمنتها في المنطقة، وتعمل إيران بكل السبل لكسب المزيد من النفوذ والضغط على أمريكا ودول الحلفاء لفرض شروط ملفها النووي وأيضا للضغط على روسيا لتجنب مواجهته أو التفكير بإقصائه أو تهميشه.
وروسيا التي استخدمت مختلف أساليب ووسائل القتل والتدمير للمحافظة على النظام المجرم فقط من أجل إعطاء الشرعية لمد نفوذها وهيمنتها على المنطقة وقد يكون هذا الافتعال لتمرير رسالة من أجل جس نبض أمريكا وذلك لغاية لها.
الغموض الذي يكتنف هذا الحدث بالنسبة لمواطني المنطقة بكافة مكوناتها وتائه في تحليلاته وتنظيراته ولا يصل إلى أي نتيجة من وراء هذا الحدث. أما القناعة التي وصلوا إليها ان هذه الأحداث ليست فعل مكون ضد آخر، بل هو افتعال من جهات شريرة تحاول ضرب مكونات المنطقة بعضها ببعض وبث الفتنة، والشيء الذي يبعث الطمأنينة هو أن جميع مكونات وأطياف المنطقة متعايشة ومتآلفة مع بعضهم البعض منذ مئات السنين وروابط السلم الأهلي والعيش المشترك قوية جدا ومن الصعب اختراقها بوجود العقلاء وأصحاب الحكمة والمشورة، وهذا ما تميزت به مدينة قامشلو منذ بداية الأزمة، كانت دائما عصية على الفتن، التآلف والتماسك الذي ضمَّن أهالي قامشلو جعلتها بمأمنٍ عن المؤامرات والدسائس.
صحيح أن الأطراف الدولية المتصارعة تتنافس فيما بينها من أجل بسط السيطرة وفرض إملاءاتها وتقايض في ما بينها وكذلك النظام الذي قتل شعبه ودمر مدنه لن يهون عليه مصير من تبقى من شعبه في مناطقه، ولكن هنا يتطلب من كافة مكونات المنطقة الحكمة والعودة إلى منطق العقل لكي تتصدى لكل من تسول له نفسه لبث الضغينة والفتن وتجنب كل ما يثير الحقد والبغض، الشعب لم يبق يتحمل أكثر من ذلك، فالوضع المعيشي والاقتصادي المتدهور أثقل كاهلهم، على الجميع العمل معا ومد يد العون للبعض، وخاصة الطرفين الكورديين اللذين إلى الآن لم يحققا من المفاوضات الكوردية سوى الجزء اليسر، والمطلوب منهما النظر بعين المسؤولية وجعل الوضع المعاشي للشعب في أولوياته، وأن لا ننصدم مع القوى المتصارعة بل على العكس العمل معهم وربط مصالح شعبنا مع مصالهم بحيث يضمن الأمن والاستقرار والأمان في المنطقة. 
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…