تعلُّم التكريم والانتقام من الأمريكان

ماجد ع محمد
منذ ما بعد تحرير العراق أو احتلاله ـ حسب ما يراه العراقيون مناسباً لهم ـ في 2003، ونحن كقراء ومتابعي أحداث المنطقة، نلاحظ بأنه في معظم جولات كبار ساسة الحكومة الأمريكية وصولاً إلى أصغر قادتهم العسكريين، وفي كل زيارة لهم للعراق فأول من يقصدونهم بالزيارة هم الجنود الأمريكان المنتشرون في أرض السواد، ومن ثم يتممون جولاتهم على مسؤولي بغداد أو إقليم كردستان، فمن هنا يستشف القارئ بأن المواطن أو الجندي الأمريكي له مكانة مميزة لدى إدارة بلاده، وزيارته أبدى من كل مواطني العالم على اختلاف ثقافاتهم وأعراقهم وأديانهم.
بينما إذا ما ذهبنا إلى بقعة أخرى من العالم فسنرى الأمر بخلاف ذلك تماماً، وبما إني سوري فأعي تماماً بأن لا قيمة قط للإنسان السوري لدى حكومة دمشق، وبكوني كردي سوري فلربما يحق لي التحدث عمن يدّعي تمثيل ذلك الشعب، وذلك بدلاً من التكلم عن سلوكيات ساسة الشعوب الأخرى، وكردياً سأستثني ههنا الكلام عن المجلس الوطني الكردي باعتبار أن لا سلطة فعلية سياسية أو عسكرية له على أرض الواقع، بينما من فرض نفسه كسلطة وإدارة على كرد سورية هو حزب الاتحاد الديمقراطي pyd، والدائرون في فلكه من تنظيمات السند المعنوي كما هو حال أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الدائرون في فلك حزب البعث العربي الحاكم في سورية.
وفي المقارنة بين ممارسات المسؤولين الأمريكيين ومسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) يقول العشرات من المغتربين الكرد بأن آخر من يعلم عن زيارات قادة الحزب لأي دولة في العالم هم الكرد، وآخر من يلتقون بهم في زيارتهم للدول الأوروبية أو واشنطن هم الكرد، وآخر من يفكرون بالسؤال عن أحوالهم أو حتى الاستفادة من خبراتهم هم الكرد، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الكردي الذي يدعي الحزب تمثيله لا قيمة له أصلاً لدى حاخامات التنظيم، ولا وجود حقيقي له في الأجندة السياسية أو الاقتصادية للحزب المذكور، كما أن التصرف يشير إلى أن متبوئي مواقع الحزب إما هم غيرُ صادقين ويفتقرون للاستقامة في التعامل مع الشعب، ويدركون بأن لا مشاريع وخطط استراتيجية لهم، وأنهم واجهات مرحلية أو أدوات آنية لمنظومة هلامية العقيدة ستنتعش إلى حين ومن ثم يخبو نارها كما انتعش حزب العمال الكردستاني pkk يوماً وخبا في تركيا، وبالتالي يعون بأن لا قدرة لهم على إفادة الكرد بشيء! أو أن الصف الأول من القادة هم في الأصل مجموعة مقامرين سياسيين بمصير الكرد من خلال علاقاتهم مع الأطراف الدولية الفاعلة، أو أنهم يعرفون بأنهم يتاجرون بقضية الكرد ودمائهم في البازارات السرية لمخابرات الأنظمة، لذا لا جرأة لهم على مواجهة الجمهور الكردي بحقيقة ما يقومون به وحقيقة ما هم عليه!!
وباعتبار أن بعض أعيان الحزب غدوا أشبه بالمغيرين على رحاب الأدب ممن يأخذون فقرة من هنا وفكرة من هناك، لتركيب قصيدة أو كتابة قصة أو تدوين عمل فكري أو فني غير منسجم، فيلجأ سفسطائيو الحزب إلى نحت الأفكار أو اختلاق تصورات مبتورة لتشكيل نظرية خاصة، وهي نظرية هلامية غير واضحة المعالم، وغير قابلة للإقناع والاقتناع لافتقارها بشكل أساسي إلى المنطقية والانسجام، ولأجل ذلك يُكثرون من إيراد كلمات كالأمة الديمقراطية والإيكولوجية، وهنا بودي تذكير من يصر على استغباء العامة ببضعة كليشيهات، بأن التعويل على الضبابية وتحوير الأفكار والاعتصام بالمصطلحات المناهضة لما يجري على أرض الواقع هو عمل كل إنسان فاشل في إدارة أبسط الأمور في حياته السياسية، مؤكدين بأن إدارة المجتمع لا تحتاج مطلقاً إلى خلق دوّامات وزوابع كلامية، وبهذا الصدد نذكر بأن الفيلسوف الصيني الأول كونفوشيوس ومن خلال مفردات بسيطة جداً تحدث عن السياسة قائلاً: “السياسة تعني الاستقامة، فإن بدأت بنفسك وكنت قائداً مستقيماً، فهل هناك أحد يجرؤ أن يحيد عن الدرب المستقيم” ويضيف كونفوشيوس “إن أردت أن تحكم البلاد جيداً، يجب أولاً أن تحكم أسرتك وعشيرتك جيداً”!!
أما بخصوص الثأر والانتقام الفيسبوكي من قبل كوادر وجمهور وحشد الحزب لكل النسوة والفتيات الإيزيديات في شنكال، وللكرد عموماً في تركيا لما تعرضوا له منذ عشرات السنين أو سورية في الوقت الراهن، فيا ترى كم سنة ضوئية تلزم المقامرين بدماء الكرد بناءً على الفلسفة القائمة على الإكثار من عدد المقابر بدلاً من الجامعات والمعاهد! حتى يرتقوا إلى مستوى تفكير الاستخبارات الأمريكية التي لم تتاجر ليل نهار باسم “كايلا مولر” كما يفعلها قادة قنديل عبر التصريحات الممجوجة والفارغة عبر وسائل الإعلام المرئية أو المكتوبة، ولا نشرت أمريكا صور “مولر” على الفيس بوك أو في الشوارع والباحات والمدارس، ولا لمّت تبرعات من الأهالي لقاء الاحتفاء بذكراها، ولا تاجرت الإدارة الأمريكية بدمها، ولا تفاخرت بأن “كيلا مولر” دافعت عن البشرية جمعاء، ولا راحت تحتفل بموتها كما هو حال المؤمنين بالفلسفة الأوجلانية الذين يتغنون بالموتى أكثر من الأحياء، ويعملون من أجل الراحلين عن هذه الدنيا أكثر من المقيمين فيها، إنما كل ما عملته الاستخبارات الأمريكية أنها لم تنسى ما فعله تنظيم البغدادي بـ:”مولر” وظلت محتفظة بتلك الذكرى الأليمة في أدراجها إلى أن حان وقت الانتقام لها، وبكل بساطة ففي ساعة الثأرِ سمّت الإدارة عملية تصفية زعيم أكبر منظمة إرهابية في الشرق الأوسط والعالم باسم “كايلا مولر”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كايلا مولر: ناشطة أمريكية وعاملة في مجال المساعدات الإنسانية، عملت في سورية واختُطِفت في أغسطس 2013 في حلب من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” واحتجزها التنظيم رهينة وكان زعيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، قد اغتصبها مراراً وتكراراً قبل قتلها في شباط 2015، وفيما بعد أطلق اسم “كايلا مولر” على عملية قتل زعيم التنظيم، التي نفذتها قوات أمريكية خاصة شمال غرب سورية.
————-
المصدر: موقع ليفانت نيوز 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين لاشك أن استبعاد ممثلي الشعب الكردي من أي حوار أو مؤتمر وطني سوري ليس مجرد هفوة أو إهمال عابر، بل سياسة مقصودة تُجسّد رفضاً مُضمراً للاعتراف بحقوق شعبٍ عريقٍ ساهمَ في تشكيل تاريخ سوريا وثقافتها. فالكرد، الذين يُشكّلون أحد أقدم المكونات الاجتماعية في المنطقة ، عانوا لعقود من سياسة التهميش المنظم ، بدءاً من حرمان الالاف من الجنسية…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…

صلاح بدرالدين الفرق بين مؤتمر الحوار السوري ، والمؤتمر الكردي المؤتمر السوري المزمع عقده هو مؤتمر للحوار بين الناس حول مستقبل سوريا ، وهو تجمع للتشاور ، ولاصفة تشريعية ، او تقريرية له ، ولا يشكل من يحضر ممثلا لاي مكون قومي او طرف سياسي ، لان التمثيل الشرعي يجب ان يتم عبر الانتخاب الحر…

شادي حاجي الحقيقة الوضع السياسي الكردي في سوريا وتحالفات كل من أطرافها السياسية تعاني من تخبط فيما يبدو أنه نتيجة عدم وضوح الرؤية والتأثر بالضغوط السياسية والمصالح الشخصية والحزبية لا شك أن أحياناً كثيرة قد يتأثر صانع القرار السياسي بشأن ما ينبغي فعله إما بضغوط سياسية من جهات مختلفة كأن تكون داخلية او خارجية وهذا الأمر يجب حسمه في…