عبدالرحمن كلو
إيران ليست بالدولة التي تستسلم بسهولة أمام خصومها وأعدائها، لأنها تعتمد تكتيك عمل اللادولة في دعم استراتيجيتها العقائدية الطائفية التي تذهب في إعادة أمجاد إمبراطوريتها القديمة ، ولهذا الهدف أنشأت امبراطورية ميليشيات للعمل خارج مساحات الدول التي تتدخل فيها، لذا فهي متعددة الأطراف والأدوات ومن الصعوبة بمكان التسليم بأنها سترضخ بسهولة للضغوطات الأمريكية، ولذلك فهي لن تتخلى عن هذه الأدوات بسهولة، ومنظومة العمال الكوردستاني والتي هي أهم ورقة إيرانية في جنوب وغرب كوردستان باعتبارها الورقة الأكثر قوة في إدارة ملف الأزمات في كوردستان، وخاصة ضد الديمقراطي الكوردستاني ومشروعه الوطني الكوردستاني،
لكن يبدو أن هذه الورقة باتت تفقد من قيمتها في الآونة الأخيرة خاصة وبعد أن دخلت الحزمة الثانية للعقوبات الأمريكية قيد التنفيذ، فورقة ال PKKالتي كان يستخدمها خصوم الديمقراطي الكوردستاني في صراعهم معه من جانب الاتحاد الوطني وكوران باتت بحكم الميت السريري، إذ تم إلزام هذه القوى بفك الارتباط عن هذا الحزب وكل منظومته بتسمياتهم المختلفة أمريكياً كونه أحد أدوات الحرس الثوري الإيراني وأحد أذرعه العسكرية والسياسية والأمنية في المنطقة ، ومع دخول الحزمة الثانية للعقوبات الأمريكية على إيران، وشمول العقوبات لهذه المنظومة انهت كل المراهنات التي اعتمدت استثمارها الداخلي كوردستانياً، وجاء هذا الإجراء الأمريكي منسجما مع المطالبات التركية بإنهاء كل أشكال الوجود العسكري والسياسي لفروع هذا الحزب في سوريا والعراق، ومن وجهة النظر التركية هذا الحزب الذي هو الحليف الأساسي لحركة فتح الله كولين والمؤسسة العسكرية المهزومة في انقلاب تموز ٢٠١٦، يشكلون معاً الدولة العميقة ( الارغنكون) التي حكمت تركيا وأدارت مفاصلها زهاء قرن من الزمن، والعثمانية الجديدة بقيادة أردوغان لن تقبل بأقل من إنهاء أدوات هذه الدولة وهزيمتها في الخارج والداخل، لذلك فهي تحركت سريعا – تزامناً من الضغوطات الامريكية – من خلال زيارة وزير خارجيتها مولود جاويش اوغلو إلى العاصمة العراقية بغداد واجتماعه المنفرد مع برهم صالح ولاهور جنكي وبافل الطالباني في ١١ أكتوبر الماضي والاتفاق معاً على إنهاء وجود هذا الحزب في مناطق نفوذ الإتحاد من خلال اتفاق موقع بين الطرفين.
وفي الأيام الأخيرة الماضية بدأ الإتحاد الوطني فعلياً بإغلاق كافة مقرات هذا الحزب في السليمانية وباقي المدن والبلدات الخاضعة لنفوذه، ويبدو أن فك الارتباط هذا هو المدخل الرئيسي للسماح للإتحاد بالمشاركة في الكابينة المقبلة لحكومة كوردستان, ومستقبله السياسي مرهون بفك الارتباط عن الحرس الثوري الإيراني وال PKK .
لكن العلاقة بين إيران وال PKK اقوى من من أن يتصدى لها الاتحاد الوطني لوحده فهي أقوى بكثير من علاقة إيران مع الإتحاد الوطني، فالعلاقة الاولى عقائدية استراتيجية إلى درجة يمكن اعتبار هذا الحزب احد أذرع الحرس الثوري وبالتالي تصنيفه مع المنظومة الأمنية للمشروع الشيعي العقائدي لإيران.
لكن علاقة الاتحاد مع إيران ورغم تاريخية هذه العلاقة فهي استندت دوماً على قاعدة الصراع مع الديمقراطي الكوردستاني على المكاسب والامتيازات الحزبية في الإقليم ومع أن هذا الصراع خرج من أطواره في بعض المراحل إلى درجة التحول إلى معاداة الثوابت الوطنية الكوردستانية والتفريط فيها والمساومة عليها مع العدو وذلك كرد فعل على جدلية ارتباط هذه الثوابت وملازمتها للبارزاني والديمقراطي ، لكن سايكولوجية القاعدة الجماهيرية من الموالين للإتحاد لم تتمثل معاداة الكورد أو الثوابت الكوردستانية وعليه نرى الكثير من ردود الأفعال وحالات الرفض للمواقف اللاوطنية، لذلك تبقى العلاقة مع إيران مرهقة ومثقلة بضفوطات الشارع في مناطق نفوذ الإتحاد الوطني وبالتالي لا يمكنه أن يكون في حلٍّ من الديمقراطي -المدعوم أمريكياً- ومشاريعه الكوردستانية .
وعليه فلن تقف إيران موقف المتفرج إزاء التعاطي الإيجابي للإتحاد مع الديمقراطي او مع المشروع الأمريكي في العراق او مع الإملاءات التركية بخصوص إخراج الPKK من السليمانية، وستكون عملية الممانعة خطيرة جداً ومكلفة للسليمانية لأن الإجراءات بمعظمها لن تقتصر على الجوانب التجارية وفقط بل ستكون أمنية وغادرة وستستهدف الوضع الأمني عمومأ، وقامت إيران عملياً بحسب مصادر الاستخبارات البريطانية بتشكيل فرق خاصة باغتيالات شخصيات قيادية في العراق بقيادة قاسم سليماني ، والسليمانية لن تكون أقل أهمية من بغداد في هذا الاستهداف، هذا فيما عدا المواجهات المباشرة بين ال PKK وبين الإتحاد والتي من المرجح حدوثها بإيعاز مباشر من سليماني، وهذا ما لن تتحمله أجهزة الأمن المحلية، لأنها لن تكون بمستوى التحدي من دون دعم خارجي، لذلك ستضطر للاستسلام الكامل إما للمشروع الأمريكي أو العودة للرغبات الإيرانية، والسيناريو الأرجح هو أن الإتحاد سيواجه حالة من التشظي والانشقاقات عموديا وافقياً في الفوضى القادمة.