وصية من الوطن بموت الوطن

مروان سليمان
هذه الوصية من غارق لا محالة في بحار الذئاب الهمجية و ظلمات البراري و سياسات الأنظمة الحاكمة في المنطقة و تدخلات الدول الأقليمية و الكبرى فأنظروا إليها جيداً و أقرؤوها بتمعن لأنه عندما يفارق الروح الجسد و تتطابق الأضلاع على بعضها البعض كما كان الجنين قبل أن يولد و بعدما تنتهي المهمة الموكلة إليه سوف يرمى به في الحفرة و يتركوه لوحده يواجه مصيره في القبر، و عندها لا تبكوا عليه عندما تنظرون إليه و سوف تبقى ذكرياته المشؤومة متعلقة بذاكرتكم الأبدية و لا تدعوا له العلي القدير و الخالق الأوحد أن يرحمه لأن الجميع سواء كانوا أصدقاء أم أعداء سوف يخبرون بموته و سيبكي البعض عليه متأسفاً، 
فدعهم يبكون لأنهم سوف يبكون على مصالحهم الشخصية و الفردية و ما كانوا يأخذون من إرادات و أموال من ورائهم و نتيجة لسياساتهم الرعناء و اللامسؤولة و سوف يدخلون الغرفة لإلقاء نظرة أخيرة عليه و تبدوا عليهم ملامح الحزن و لكنهم في قرارة أنفسهم فرحون لأنهم نفذوا المهمة بنجاح تام و قد رضي سيدهم عنهم و هم الآن يتأملون كل شئ سواء ما كان ظاهرياً أم باطنياً و ما كان يؤخذ من قرارات، هنا كانت مكاتبهم و مقراتهم و هنا كانت سجونهم و معتقلاتهم، هنا كانت تؤخذ الإفادات و يعذب المعتقلون و هناك كانت ساحات القتل العام و هناك الخراب و الدمار من وراء سياساتهم الكارثية و من هنا مر الناس و ذهبوا و هاجروا و تركوا خلفهم الوطن و الأهل و الأرض و البيوت و المزارع، هنا كان بيتكم و الآن يسكن فيه غريب و هناك كانت المزرعة يزرعها مزارع جاء خلسة و أخذها و هذه كانت أراضيكم استولى عليها الآخرون دون أن تتفوهوا بكلمة واحدة، سوف تجدون في كل مكان الذكريات فقط الذكريات بعدما تحولت حقيقتكم إلى ذكريات فقط، حتى الأقلام جفت و لم تعد تكتب حداداً على التغيير و التزوير، لقد رموا بأوراقنا و مستنداتنا في البحر بعدما وضعوها في صندوق من أجل ضياعها إلى الأبد فهو كان يملك جميع أسراري و كل ما أملك من الوطن.
أخبروا العجايز و الشباب و الأطفال بأنه كان لدينا وطن و تركناه و لا تطلبوا منهم أن يدعوا لهم، و أخبروا الوطن و البلدة و القرية الرقيقة الحسناء التي سكننا بداخلها و أكلنا من خيراتها و تربينا بعزتها بأن دمائها لا تزال تجري في عروقنا، إذهبوا إلى منازلكم التي أصبحت بلا أثر فسوف ترون بأنه كيف مات الوطن و عندها سوف تسقطون من قاماتكم و تنهمرون بالبكاء و تركضون إلى قبر الوطن و تقفون أمامه و تغرقون في البكاء و سوف تنثرون على القبر الياسمين و الرياحين و تترحمون عليه و على خيراته.
دعوا الوطن ينام قليلاً و إنحنوا له لتقبلوا تربته لعله يسمع نبضاتكم و بعدها إذهبوا لتتأملوا حولكم و لتشعروا بمأساتكم مثلما كنتم تتأملون في أوراقكم و مستنداتكم و ثبوتياتكم و سوف تجدون تحت ذلك الركام الكبير صندوق إفتحوه و سوف تجدون صندوقاً بداخله و به ورقة مكتوبة عليها، هذا أنا الوطن لقد صعدت روحي إلى الله بعدما سئمت من الناس الذين تركوني و تركوا تربتي عرضة للغرباء و استغلالهم لي بأبشع الأساليب، لقد مت و مات معي كل شئ و سوف أبقى ذكرى عابرة و سوف يبكي من يحبني و يضحك من كان يكرهني و باعني بأرخص الأثمان مقابل حفنة من المال أو جاه فاني أو كرسي متهالك.
29.07.2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي* في مؤتمر عُقد يوم الخميس 9 يناير 2025 في مقر المجلس الوطني للمقاومة شمال باريس، قالت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة لهذا المجلس لفترة الانتقال، في كلمتها: “لقد كان عام 2024 مليئًا بالإخفاقات الكبيرة للنظام. شهدنا مقاطعة واسعة لانتخابات النظام المزعومة، وتصاعد المقاومة داخل السجون، وانضمام أعداد متزايدة من الشباب إلى معاقل الانتفاضة وتوسيع…

اكرم حسين استقبل الرئيس مسعود بارزاني، يوم الأربعاء 8 كانون الثاني 2025، وفداً من قيادة المجلس الوطني الكردي في سوريا، في لقاء تناول التطورات الجارية في سوريا ، ومواقف الأطراف الكردية تجاه هذه التحولات بعد سقوط الطغمة الأسدية . حيث جرى في هذا اللقاء نقاش حول الوضع الراهن والمستجدات في سوريا، إضافة إلى تأكيد الرئيس بارزاني على دعمه الثابت لقضية…

أحمد خليف* بعد انتهاء حقبة بيت الأسد، تلوح في الأفق تحديات جديدة، حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة انتقادات وأسئلة مشروعة من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين، حول مدى التزامها بالشفافية في منح المشاريع والمناقصات، في وقت تنتظر فيه البلاد إعادة الإعمار والانطلاق نحو المستقبل. يبدو أن غياب الإعلان الرسمي عن بعض المناقصات والمشاريع، وتوجيهها بطرق غير واضحة، يُثير مخاوف…

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…