سوريا والمسؤولية التاريخية لفشل الثورة في تحقيق أهدافها

ريزان شيخموس 
ان التصعيد العسكري في سوريا بات يتراجع في المرحلة الأخيرة من الصراع الدولي على سوريا، وخاصة بعد أن أصبح  ريف دمشق في عهدة النظام الأسدي وخروجالمعارضة السورية المسلحة منها، ومن العديد من المناطق في حمص، وإن العمليات العسكرية الجارية الآن في ريف دير الزور، وأحياناً في البادية ما هي إلا فيمراحلها الأخيرة ضد التنظيم الإرهابي داعش وبمساعدة الأمريكان والفرنسيين في شرق نهر الفرات. 
هذا وقد أصبح واضحاً بأن هذا التخفيض في العمليات العسكرية في سوريا عموماً جاء نتيجة التوافق الدولي على تقسيم سوريا إلى مناطق النفوذ من قبل العديد من الدولالتي كانت تدعم هذه العمليات العسكرية، وقد بات جلياً للعيان أن سوريا أصبحت محتلة من قبل هذه الدول التي توافقت على هذا التخفيض العسكرية، أي بالأحرى تحولتسوريا إلى دولة محتلة من قبل دول متعددة الجنسيات .
إن هذه الدول المحتلة لسوريا وبغض النظر عنها، لا تهمها الشعب السوري ولا مصلحة هذا الشعب أو سوريا عموماً، كل ما تهمها أن تسير الأمور في سوريا كما ترغبهذه الدول ومصالحها أو أجنداتها. وأعتقد أن هذه الدول وخاصة الكبرى منها قد تحدث هناك صراعات محددة بينها وهذه لن تكون من أجل سوريا بل على سوريا ولذلكستسعى في المرحلة المقبلة من إخراج العديد من المنظمات الإرهابية الشيعية منها أو السنة والتي أنهت مهماتها وحققت إنجازات مهمة لهذه الدول ومصالحها ، وانالسلاح الوحيد المستخدم سيكون في عهدة هذه الدول  وستكون بأوامر مباشر منها .
وفي الأيام القليلة الماضية لعبت إسرائيل دوراً عسكرياً مهماً في الحفاظ على التوازن العسكري القائم في سوريا ومن خلال قصفها للعديد من المواقع العسكرية للنظامالسوري والإيراني والميليشيات التابعة لها.
إن مؤتمرات سوتشي وبجولاتها المتعددة بين روسيا وإيران وتركيا وبغياب أمريكا وبدون اعتراضها منها على النتائج حققت إنجازات عسكرية كبيرة على الأرض لصالحالنظام، ومهدت للمرحلة العسكرية القائمة والتوازن العسكري القائم بين الدول المحتلة لسوريا وإنهاء المعارضة السورية عسكرياً وإضعافها سياسياً، أي عملياً إنهاءالصراع العسكري بحجة تخفيض التصعيد بين النظام والمعارضة وإفساح المجال للتفاهمات بين داعميهم. 
إن المرحلة المقبلة قد تحدث تجاذبات وصراعات في سوريا من نوع آخر، وقد تتصدع التحالفات القديمة، وتحدث صراعات بينها وخاصة في الحلف الداعم للنظام، ولايستبعد مطلقاً  -وخاصة بعد الموقف الأمريكي الأخير من إيران – أن تعمل روسيا على إخراج إيران والميليشيات التابعة لها من سوريا لتتمكن من تكون لها الحصةالكبرى من الكعكة . كما انه ليس من المتوقع أن يحدث أي انفراج سياسي في الوضع السوري في المرحلة المقبلة رغم التخفيض العسكري .
إن المعارضة السورية فقدت الكثير من أوراق القوة لديها ليس فقط في المجال العسكري بل أيضا في كافة المجالات الأخرى ومنها السياسية والإعلامية، حيث أنها فقدتعشرات الدول التي كانت تدعمها في مجموعة أصدقاء سوريا، ولا يعود السبب فقط بالتآمر الدولي على الشعب السوري واستثمار هذه الدول ثورة هذا الشعب لمصالحهاوأجنداتها، بل لعدم تمكُّن المعارضة من تقديم أي برنامج سياسي واضح يستطيع إقناع الدول الداعمة لها، ولكل مكوّنات الشعب السوري به، بل بالأحرى فشلت فياستقطاب الشعب السوري وخاصة معظم المكونات، علماً أن معظمها وقفت منذ البداية وبقوة مع الثورة، ولكن لأسباب عديدة ومتنوّعة ومنها عسكرة الثورة وسيطرةالعديد من الفصائل المتشددة عليها والشرخ الواسع بينها بسبب استثمار كل دولة لفصيل من هذه الفصائل وتوظيفها لمصالحها وغيرها الكثير من الأسباب التي جعلت هذهالمعارضة في مهب الريح. وهذا من كل بد تستدعي المعارضة السورية بمراجعة شاملة وتحليل عميق للأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار الحاد في المعارضة وذلك منخلال مؤتمر جامع تحضره كل القوى السياسية المعبرة حقيقة عن مصلحة الشعب ومكوناته، والعمل الجدي على بناء معارضة لها برنامج يستوعب سوريا ومستقبلهاويستوعب كل أبنائها، ولها قيادات كفؤة تتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الثورة ووضع عجلتها على سكتها الحقيقية .
إن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه لدى أبناء الشعب السوري وثورته، ماذا سيكون مصير هذه الثورة بعد كل ما حصل في سوريا من قتل نصف مليون سوري وتدميرثلث المدن السورية وتهجير أكثر من ١٠ ملايين في الداخل والخارج وفقدان وأسر وسجن عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري؟ ماعدا الاحتلال المتعدد الجنسياتالذي تعرّضت له سوريا والكثير من التغييرات الديمغرافية والتقسيم المذهبي والطائفي والقومي وغيرها من الحالات السلوكية. ماذا سيكون مصير سوريا عموماً؟ وخاصةانه مازالت هناك الكثير من الدول تراهن على بقاء النظام رغم كل ماحدث. وأنه من غير الممكن التكهُّن بمستقبل سوريا في هذه الظروف المعقدة وخاصة أن الدولالمحتلة هي تناقش كل هذه المسائل في كواليس الاستخبارات الدولية، وتضع الحلول كما تحلو لها مصالحها، ولا يستشار بالطبع هذا الشعب المغلوب على أمره أو قيادته،ولهذا لن يستطيع أي محلل سياسي أو بالأحرى عباقرة السياسة من وضع تكهناتها بشأن سوريا. لأن هذه الثورة أو هذا الشعب سيُصبِح نموذجاً يُؤخَذُ به في المستقبل. ولكنالثابت في الموضوع إن سوريا المستقبل ستكون أفضل بكثير من سوريا الماضي. 
سوريا الأسد مهما حصل ومهما بلغت التضحيات ورغم كل الكوارث التي حلت بشعبنا . وان الشعب السوري سيحقق المعجزات في المستقبل ولكن بعد غربلة الكثير منالقيادات والفصائل في المعارضة التي تتحمل المسؤولية التاريخية لفشل الثورة في تحقيق أهدافها حتى الآن ، وبالطبع لا يمكن استثناء كل الأحزاب الكردية في سوريا منهذه المسؤولية التاريخية والكوارث التي حلت بشعبنا الكردي أيضاً وبالتأكيد ان المجلس الوطني الكردي والذي هو جزء من المعارضة السورية يحتاج الى مراجعة نقديةشاملة لتجاوز كل العراقيل التي تعطل مسيرته ووضع كل الخطط المساهمة في اعادة تفعيل المجلس وتحسين أداءه ودوره ليلعب دوراً مهماً في سورية المستقبل ، رغم انحزب الاتحاد الديمقرطي يتحمل المسؤولية التاريخية لكل ما حدث لشعبنا من الويلات والمصائب نتيجة سياساتها الكارثية والجرائم التي ارتكبتها ميليشياته بحق شعبناعموماً وان التاريخ سيكون عادلاً في هذا المجال ولن يرحمهم مطلقاً وستكون مزبلته بانتظارهم ، وهذا لا يعني مطلقاً بإعفاء الآخرين أيضاً من التقصير الذي أبدوه فيالعمل السياسي ومخرجاته .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…