صراع الإيديولوجيات ودماءٌ تراق !!

د.

علاء الدين جنكو

كم يؤلمني الدخول في إطار مناقشات سوفسطائية وحوارات عقيمة في الوقت الذي ما زالت دماء شهدائنا تنزف ولم تندمل جراحات من بقي على قيد الحياة من المصابين ..
تذكرني بعض حوارات المفكرين – إن صحت تسميتهم بذلك – بالطرفة التي كثيراً ما كنا نستشهد بها، عندما كان الأولاد جالسون حول أبيهم يناقشون شكل ونوع السيارة التي يرغبون في اقتنائها ، فيجيب الأب وبكل برود : يلا انزلوا منها !!
في الواقع مع انشغالي الكبير بأعمالي الأكاديمية من جهة والتقزز من الكتابة في ظل الظروف الراهنة لم أجد نفسي إلا وأحمل القلم داخلا في إطار تلك الحوارات !!

التقزز من مفهوم الدولة المدنية إحدى الحوارات والطرحات التي فوجئت بها من قبل بعض أصحاب التوجه العلماني، لأني ومنذ نعومة أظفاري أرى إن مصطلح الدولة المدنية ربيبة أفكارهم وإحدى أهم أوراقهم في وجه التيار الديني الرجعي على حد قولهم .
كان الإسلاميون يرون أن مفهوم الدولة المدنية من وسائل إقصائهم وأفكارهم، واليوم وقد ضيق الإسلاميون في العالم العربي والإسلامي الخناق حول العلمانيين بقبولهم لهذا المصطلح الذي يُتَّهم – طبعاً اليوم – من قبل العلمانيين بأنه مطاطي يفسح المجال أمام الإسلاميين ليصلوا إلى تحقيق أهدافهم .
لا أخفي قناعاتي فالديمقراطية وصناديق الاقتراع وقبة البرلمان والتوافق هي أفضل من تحكم بين الطرفين وهي المخولة فيما يصلح ومالا يصلح من أفكار وإيدولوجيات .
زمن الوصاية ولى سواء من أتقى إسلامي ورع أو أكثر العلمانيين فطحلة وعبقرية وإخلاصاً.
يتطور العقل البشري بتوالي الأيام والسنين، فكما أن زمن حكم الدكتاتوريات تنحصر وعروشهم تتهاوى فإن زمن الدكتاتوريات الفكرية الفردية ولت .
بمعنى لم يعد لأحد أن يكون نجماً لامعاً لمجرد مخالفته ما عليه الناس من قناعات كما كان يحلو للبعض قبل ذلك .
بكل صراحة وشفافية أنا مع النموذج الديمقراطي في الانتخاب وإن كانت آلياته تختلف من نموذج لآخر ولها بعض السلبيات التي لا ينكرها حتى أكثر المؤمنين بها إلا أنها أفضل الموجود ..
وما أتوقعه في قادم الأيام أن يرفض التيار العلماني مصطلح العلمانية ويتقززوا منها لأن الاسلاميين سيقبلون بها وبالتالي ستصبح وسيلة أخرى لتحقيق مآربهم ومطامحهم المخيفة في القفز للسلطة وإقصاء الآخرين !!
لا سيما وأن التجربة التركية نجحت في تسلم الإسلاميين مقاليد الحكم بنكهتهم العلمانية التي يصرون عليها، وليس هذا فحسب بل سحب البساط من تحت أعتى مؤسسة علمانية في تاريخ العالم الإسلامي وهي مؤسسة الجيش التركي كل ذلك بركوب الإسلاميين مركب العلمانية !! وإذا ما وصل الأمر لذلك ، فبماذا سينادي العلمانيون ؟؟
نتائج ظاهرة الإقصاء وخيمة على أصحابها وستؤدي بهم إلى حفر الدكتاتوريات، ومخابئ الجرذان أو أسرة الكهلة من الفراعنة وهي متوجهة إلى أقفاص المحاكم، أو أسرع وسيلة فرار من العدالة !!
فالعدالة والشفافية وقبول الآخر من أسرار نجاح أي تيار قادم مهما كان إدِّعاؤه سواء كان حزباً شيطانياً أو علمانياً أو إسلامياً .
فلننظر إليها لتحقيقها في قلوبنا وأفكارنا لتظهر آثارها على سلوكياتنا ونحن نعايش دماء الشهداء الزكية التي تراق لا من أجل عيون علماني يرغب في فرض علمانيته ولا إسلامي في فرض إسلاميته ، وإنما للخلاص من دكتاتورية الظلم والإقصاء … وإلى الأبد ..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…