في حضرة المفارقة من “نبوءة التخوين” إلى السقوط في شراكه

إبراهيم اليوسف

 

لطالما كان ولايزال بعض العنصريين يرمون كل بذرة حلم كردي بتهمة جاهزة، مفادها أنهم مشروع: “إسرائيل ثانية!”، كأن الطموح الكردي وَلَد في غرفة عمليات غريبة، قصية عن أرومتها، ومكانها، لا من رحم الألم، ولا من ذاكرة الجبال والسهول  المتكاملة. إذ إن كل صوت كردي كان يُشنق بتهمة، وكل راية كانت تُفسّر كمؤامرة، وكل خطوة نحو الكرامة كانت تعدّ خيانة للهوية الكبرى التي لم تشمل الكرد يومًا إلا كهوامش.

ثم دار الزمان بهم وحار!

ها هم، اليوم، بعض أولئك الذين طالما رسموا أنفسهم حرّاسًا للهوية، يدخلون في طور اللون المرفوض، المحظور، المكفر، راقصين على بشائر العلاقة مع إسرائيل. وذلك ليس استدارة فكر، ولا اعترافًا بمشروعية الآخر، بل لأن هذه “البشائر” قد تلامس شغاف عدائهم القديم للكرد. وحده الكردي، ما زال في قلوبهم العدو الأوحد، مهما تبدّلت التحالفات وتبدّدت الجغرافيات.

بعضهم الآن، يحتفل بتصريح وزير غريب، أو يخزّن ابتهاجه في كلمة عابرة من شاشة تركية، أو لحن سياسي تتراقص فيه خرائط، لا لأنه يحب تلك البلدان، بل لأنه لا يحتمل أن يكون للكرد مجرد كلمة.

أية مفارقة فادحة!

لقد كانوا في الماضي القريب يرون في تركيا محتلة: لكيليكيا، للواء إسكندرون، وكانوا يرفعون صوت المظلوميات التاريخية، عالياً، مدوياً، حتى إذا اجتاحت تركيا عفرين، وسري كانيي، وتل أبيض، حيث  رعان ما خمد حماسهم القومي  الوطني العالي، العارم،  وسكتت أصواتهم، أو تحولت فجأة إلى نشيد تمجيد. تغيرت الجغرافيا، لكن البوصلة ما زالت تشير إلى عدو وحيد: الكرد.

صمتهم، صار هو الجواب. والرقص على الأطلال، صار هو المشروع.

واليوم، إذ يرون أن مشروع الإدارة الذاتية – ولست في معرض الذود عن حماها، بل عن وجود شعب- قد “انتهى”، وأن الفيدرالية محض سراب، يوزعون الحلوى السياسية على قارعة الخراب، كأن حلم الكردي بالعدالة كان هو الخطر، لا كل هذا الانهيار الوطني الذي لم يوقظ فيهم ضميرًا.

لكن، لنكن واضحين:

منذ اللحظة الأولى للثورة، وقبل أن يبرد وهج الميادين، قُلتها، وقلتُها بملء الصوت: لا سوريا من دون فيدراليتها. قدمنا مشروعًا متكاملًا إلى المجلس الوطني السوري*، لا لنفصل، بل لنوصل، لا لننقسم، بل لنعيد الربط بين ما تمزق، بصيغة تحفظ للجميع كرامتهم.

غير أن بعضهم اختار أن يرى في الفيدرالية شبحًا، لا شجرة عالية الظل يجمع فيؤها السوريين. كل السوريين

والآن؟ لا يهم بعضهم إن تم بيع سوريا في المزاد، ما دام من يشتريها قد يدير اظهر للكرد، رغم أن الكرد لا يعولون إلا على حقهم الوطني والتاريخي. ورغم ذلك، بقي الخطاب الكردي، ربما الأكثر وطنية، والأشد حرصًا، لأنه لم يسقط في فخ الكراهية، ولم يُغنِّ للمحرقة، ولم يساوم على تراب أو هواء أو شريك.

لقد اختبر الكرد المرارة، لكنهم لم يذوقوا طعم الخيانة.

ربما لهذا، تبدو كلماتهم أكثر صدقًا، ومشاريعهم أكثر عقلًا، وخطابهم- رغم الجراح- أكثر التصاقًا بروح الوطن.

 

*كان المشروع من إعداد اتحاد تنسيقيات الشباب الكرد، وقدمته في أول جلسة تأسيسية حضرتها للمجلس الوطني السوري الذي صرنا نندم على روح خطابه.

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…