المشروع الوطني الكردي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية

بهزاد عبد الباقي عجمو

في العلوم السياسية يعد الحاضر امتداداً للماضي و لا يمكن فصلهما عن بعض، و أن التاريخ يعيد نفسه و هذا ما دعاني إلى العودة إلى تاريخ أكثر من مئة عام و أن أفتح صفحات الماضي و خاصة بعد الحرب العالمية الأولى و ما جرى لوطننا في تلك الحقبة الزمنية و كيف تآمر الإنكليز و الفرنسيون على قضية شعبنا ووطننا و ما لحق به من الأذى و الظلم و الغبن و قد ضحينا بالكثير من الشهداء و روينا صخور جبالنا بالدم، كل ذلك لمحو آثار تلك المؤامرة الخسيسة بحق وطننا، و لا زلنا  حتى الآن نقدم الشهداء، لذا لابد من إلقاء الضوء على هذه المؤامرة و الدخول إلى  كواليس مسرح تلك الجريمة، هذه المؤامرة حدثت في عام 1916 و سميت باتفاقية سايكس بيكو، أي كانت من تداعيات الحرب العالمية الأولى فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف اندلعت هذه الحرب ففي عام 1914 كان ولي عهد النمسا و برفقته زوجته في زيارة إلى سرايفو فاغتيل الاثنان على يد طالب جامعي 
و بسبب عملية الاغتيال هذه اندلعت شرارة الحرب بين دول الحلفاء التي كانت تضم بريطانيا و فرنسا و روسيا و بين الطرف الثاني الذي كان يضم ألمانيا و النمسا ثم انضمت تركيا إليهما و في النهاية انتصر الحلفاء، فقرروا تقسيم الميراث العثماني فيما بينهم و أقصد هنا الأراضي التي كان يحتلها العثمانيين فاجتمع القنصل الفرنسي  في بيروت شارلز جورج بيكو مع نظيره البريطاني مارك سايكس في عام 1916 في الجلسة الأولى حدث خلاف بين الطرفين على تحديد حدود الميراث العثماني و وصل الأمر إلى التشاجر، فقرروا الاحتكام إلى الأرمني كالوستازكي كولبنكيان حيث كان له حصة خمسة بالمئة في شركة النفط البريطانية و قالوا بأن هذا مواطن تركي فهو أعرف منا بحدود الدولة العثمانية،  فاجتمع الكل، فوضع كولبنكيان الخارطة على الطاولة ثم أخرج من جيبه قلماً أحمر وبدأ برسم الحدود فضم شمال كردستان إلى تركيا بسبب عدم وجود النفط فيها ثم رسم الحدود بين العراق و السعودية بشكل اعتباطي و هنا انتهت مهمة كولبنكيان و أعطى القلم الأحمر لسايكس و بيكو فهموا شرق كردستان إلى إيران لأن قسما منها كان محتلا من روسيا القيصرية والقسم الآخر تحت  النفوذ البريطاني حيث كانت شركة النفط البريطانية تستثمر النفط هناك، أما جنوب كردستان فقد اتفقا في البداية أن تكون من حصة فرنسا إلا أنها تنازلت فيما بعد عنها لتكون أيضاً من حصة بريطانيا لسببين، السبب الأول : أرادت إرضاء بريطانيا لكي يكونا متفقين على المطالبة بتعويضات الحرب من ألمانيا،أما السبب الثاني : فقد طلبت من بريطانيا مقابل ذلك أن تتنازل لها عن مقاطعة الألزاس و منطقة أخرى، أما غرب كردستان و التي هي جزء من بلاد ما بين النهرين فقد ضمت إلى بلاد الشام و أصبحت تحت النفوذ الفرنسي، فسموها سوريا ( أي موطن السريان ) علماً أن موطن السريان الأساسي هو جبل طور عابدين منذ الأزل .
إن الغاية من هذا العرض التاريخي تبين بأن سبب هذه المأساة التاريخية التي حلت بشعبنا و قضيتنا هي الحرب العالمية الأولى ولا يمكن أن يزول هذا الظلم إلا بحرب عالمية أخرى تجتاح هذه المنطقة ما دمنا لم دمنا لم نستفد من الحرب العالمية الثانية و ذلك لأن قادتنا السياسيين جربوا الكفاح المسلح في ثورة أيلول و قبلها و بعدها ففشلوا و انتكسوا بسبب تكالب القاصي و الداني عليهم و جربوا طريقة المفاوضات منذ مئات السنين ولكن في كل مرة يعودون بخفي حنين، لأنهم لم يكونوا يملكون تلك القوة لفرض شروطهم و تلك الأوراق القوية لاستعمالها و بالتالي يجعل الخصوم يقدمون التنازلات و جربوا أسلوب الحوار مئات المرات فكان الخصوم ينظرون إليهم نظرة استعلائية و فوقية و عنجهية و كأنهم متسولين يقفون على بابهم ينتظرون منهم هبة أو عطية من سلطانهم لا كأصحاب حق يطالبون بحقوقهم، فكانوا في كل مرة يعودون بأيدٍ فارغة لذا فكل الأبواب قد صُدت أمامنا و كل الدروب قد سُدت فلم يبق سوى حل واحد و هو أن تجتاح عاصفة حرب عالمية ثالثة منطقة الشرق الأوسط لتهدم كل هذه الحدود الاصطناعية التي وضعت بعد الحرب العالمية الأولى و تصبح أثر بعد عين و يعاد رسم الخرائط من جديد للمنطقة بحيث يعود الحق إلى أصحابه، و علمنا التاريخ بأنه لا يوجد شيء مستحيل و لا ثابت فبالأمس هدم جدار برلين و تغيرت خارطة الاتحاد السوفيتي و اليوم هناك حرب ضروس بين روسيا و أوكرانيا و من ورائها حلف الناتو و هذه الحرب لن تنتهي في المدى المنظور لأن الخلافات كبيرة و فجوتها واسعة و هنا فنحن أمام ثلاثة احتمالات الاحتمال الأول أن ينسحب بوتين من أوكرانيا بشكل نهائي و تعاد جزيرة القرم و الجمهوريتان الانفصاليتان إلى أوكرانيا و هذا لن يفعله بوتين بسبب عنجهيته و غطرسته، و الاحتمال الثاني : أن تستسلم أوكرانيا لروسيا و باعتقادي هذا لن يحدث أيضاً بسبب ما رأيناه من شجاعة و بسالة الشعب الأوكراني و حنكة و دراية و بطولة الرئيس الأوكراني زيلينسكي، ثانياً : إذا احتلت روسيا كل أوكرانيا هذا ما سيشجع الصين على احتلال تايوان و هذا لن يرضى عنه حلف الناتو أبداً، إذاً لم يبقَ سوى احتمال واحد و هو أن هذه الحرب ستستعر يوماً بعد يوم و أن أي خطأ من أحد هذه الأطراف الكثيرة قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة و إذا اندلعت هذه الحرب العالمية لابد أن تمر في الشرق الأوسط بسبب وجود النفط و الغاز فيها .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود منذ تأسيس كثير من دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي أُسّست نتيجة اتفاقية سايكس بيكو وخرائطها المفروضة بمبضع بريطاني فرنسي تركي، والأنظمة التي تكوّنت على إثرها عانت وما تزال تعاني من عقدة مركّبة بين هوية الدولة وأزمة نُخَبِها السياسية والثقافية ومفهوم المواطنة والانتماء، ومن أبرز ظواهرها التغييرات الدموية في الأنظمة السياسية التي حكمتها منذ منتصف القرن الماضي وحتى…

بدعوة من لجان تنسيق مشروع حراك ” بزاف ” لاعادة بناء الحركة الكردية السورية ، التامت الندوة الافتراضية الموسعة الثانية ليلة الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة نحو أربعين شخصية وطنية مستقلة ، من بنات وأبناء شعبنا الكردي السوري ، من الداخل وبلدان الشتات ، ومن مختلف الفئات الاجتماعية ، وناشطي المجتمع المدني ، الذين تحاوروا بكل حرية ، وابدوا…

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….