اجتماع الخلق تحت عباءات الأعياد

توفيق عبد المجيد

كم هو جميل أن يحتضن شهر كانون الأول في النصف الثاني منه مناسبات دينية شتى ليعطي بالنيابة عن الخالق درساً للإنسانية جمعاء دون أن يبذل جهوداً ملموسة لتمتين العلاقات بين الشعوب ، ومد جسور التواصل بين القوميات والقبائل ، ودونما حاجة إلى ردم خناق القطيعة والبغضاء والعداوات والانتقام ليثبت للجميع أينما كانوا بغض النظر عن الجنس واللون والمعتقد أنه بإمكان البشر أن يعبّدوا طرق التفاهم والتعاون والتآخي والصداقة لكي تكون الممرات آمنة وسالكة إلى المستقبل المنشود ، بعد أن كانت مليئة بالحفر والألغام والمطبات ، إذا صدقت النوايا والإرادات
وإذا حاولنا بصدق أن ننتشل الآخرين الغارقين في دياجير الجهل ، المؤمنين بالقدرية الفجة ، والخرافات العمياء من التكفيريين والظلاميين الغارقين في سبات طويل في كهوف الجهالة ومغاور التخلف ، ولنردد على أسماعهم جميعاً ليتذكروا خير الكلام الخالد :
(وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) و(لكم دينكم ولي دين) و(تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) ، (والخلق كلهم عيال الله).
هل هي الصدفة التي جمعت هذه المناسبات الدينية (عيد الأضحى المبارك عند المسلمين ، وعيد ميلاد السيد المسيح عند الأخوة المسيحيين ،وعيد الصيام عند الأخوة الإيزديين) ثم لتختتم بعيد رأس السنة الميلادية لشعوب الأرض جمعاء) ؟
يريد الخالق أن يقول للمخلوق : من الممكن أن تقام العلاقات المتكافئة والندية بين الأمم والشعوب كما أنه من غير المستحيل أن تتعامل الأمم والشعوب مع بعضها بموجب قوانين التعامل الإلهية السماوية ، قوانين الأخوة في الله ، وقوانين الاحترام القائمة على المحبة ، النابذة للبضغاء والعداوات وإرادة الشر والانتقام ، المعترفة بالآخر المختلف عرقاً وطائفة ودين ، المؤمنة كل الإيمان أن لكل دينه ومعتقده ، لكل قوميته ولغته ، ويسمح للفرد بأن يعبد ربه بطريقته الخاصة تحت سقف الوطن وسمائه لأنه وطن الجميع ، نعم من حق الفرد أن يعتقد ما يشاء ، وليس من حق الغير أن يحاسبه على هذا الاعتقاد طالما أن الله هو المحاسب الأخير ، وليس من حق الفرد أن يتولى هذه المهمة بالنيابة عن الخالق ، فالاختلاف مبرر والاعتداء محرم ، والاقتتال منبوذ ، وكل شيء مشروع إلا التآمر على الوطن.
أغتنم هذه المناسبات السعيدة لأقدم أجمل التهاني والتبريكات لكل شعوب العالم بهذه المناسبات الأربع السعيدة راجياً أن نجتمع في المستقبل على ما فيه خير جميع الشعوب ، كما أتمنى لمعتنقي كل الديانات والمذاهب والطوائف على مختلف تلاوينها وأشكالها وتواجدها الأمن والسلام والمحبة والألفة ، والتحرر والانعتاق من أسر العبودية وظلم واستعباد البشر ، متمنياً أن يكون العام الجديد حاملاً تباشير المحبة والخير والسلام ، مؤذناً ببداية عصر جديد ينبذ ثقافة القتل والعنف والإنكار معترفاً بالآخر المختلف قومية وديناً ، وأن نأخذ الدروس والعبر من هذه المصادفة الأرضية التي قربت معظم شعوب العالم من بعضها ، والكوكب الأرضي يزداد جمالاً بكل قومياته وأديانه ، بصابئته ويزيدييه ، بإسلامه ومسيحييه ويهوده ، بالبوذيين والهندوس، بالزردشتية والكونفوشيوسية ، وغيرها من الطوائف والملل والأعراق ، وما وحده الرب لن يستطيع أحد أن يفرقه ويبعثره طويلاً.
فكل عام والجميع بخير.

18/12/2007

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…