شاسوار أم شاشوار؟!

إدريس سالم
يقول الفيلسوف الأمريكي “أڤرام نعوم تشومسكي“:
«في السياسة الدولية لا يوجد أصدقاء، الجميع يعمل من خلال مصالحه».
ما الثمن الذي قبضه شاسوار مسبقاً حتى يعارض الاستفتاء الذي قد يمطر عليه مزيداً من الثروات والمشاريع الاقتصادية والتنموية الضخمة، لكون الإقليم سينتقل إلى مرحلة جديدة تتسم بالبناء والعمران، بدلاً من مرحلة التقدّم البطيء والمرونة في إنجاز المشاريع وبنتائج إيجابية، جراء المشاكل والأزمة السياسية المفتعلة في الإقليم بتخطيط من الخارج وتفعيل من الداخل، ولعل المثال أمامنا للنقاش والعلاج؟ أم أنه بالفعل لم يكن إلا (شاشواراً)¹ في أيدي الاستخبارات الإيرانية، التي يديرها المندوب السامي الإيراني “قاسم سليماني“ في أزقة بغداد والسليمانية؟ فهو بذلك ينضمّ إلى تجّار الأزمات، الذين لا يهمّهم شيء سوى تحقيق الأرباح، دون النظر في هوية الضحية التي سيجني منها ثروته ومكتسباته، أو خضوعه وتبعيته لأدوات الاستهلاك واستثمار المواقف ضد إرادة الكورد. 
فالعراق في عهد صدام حسين لعلّه كان يتميز بنوع من الأمان والاستقرار، لكن كان ممنوعاً على شعبه في أن يمارس حقّه في الديمقراطية والحرية والتقدم التكنولوجي والاقتصادي في المشاريع الخاصة والعامة، فيما اليوم يتميّز هذا العراق بعد عهده بالحرية والديمقراطية وتعدّد الأحزاب، إلى جانب الخراب والفوضى وفقدان الأمن، والتي المسؤول الأول والأخير عنها هم العراقيون، الذين لا يملكون من الوعي والحكمة سوء جزء بسيط، على خلاف إقليم كوردستان الذي عانى في عهد صدام كل أشكال وأنواع الاستبداد والديكتاتورية والقمع والإرهاب، من مجزرة حلبجة والأنفال إلى التهجير القسري ومحاربة الثورات الكوردية، وبعد عهده تميّز بأنه أكثر إقليم فيه الأمان والاستقرار مقارنة بدول الشرق الأوسط ذو الخيرات والثروات الهائلة، وسيستمرّ فيه الأمن ويبرز بين شعبه مفاهيم الحرية والديمقراطية واحترام كل المقدّسات، مع وجود الولاءات العشائرية والحزبوية وحالة الفساد المؤقتة، التي سينتهي منها الإقليم بعد الاستفتاء والوصول إلى الاستقلال، أي أن شاسوار قادر أن يلعب دوراً محورياً من حيث مساعدة الحكومة والبرلمان في القضاء على البطالة والفساد كمّاً ونوعاً، وسيجني أرباحاً ضخمة وبطرق شرعية قانونية، لا أن يركب على ظهور الفقراء ويستغلّ أموالهم وأملاكهم، والتي يستخدمها في سبيل القضاء على المشروع الكوردي الذي يجري على قدم وساق، وبدعم من دول صانعة ومنفذة القرار!!
إن العقلاء يدركون جيداً أن الهدف الرئيسي من الاستفتاء، هو حماية الشعب الكوردي من تكرار الكوارث والمآسي والمجازر بحقه في المستقبل، ورفضه لأن يكون مجدداً “مأساة القرن“، والذي أثبت ويثبت دائماً بأنه أكثر طرف داعم للاستقرار والأمان في المنطقة العربية، منذ التسعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم، فعندما تعارض الدول المحتلة لكوردستان لمشروعَي الاستفتاء والاستقلال فإننا لا نلومهم، لأنهم أولاً وأخيراً يعتبرون أعداءً للشعب الكوردي، وسيستثمرون أي موقف كوردي أو دولي لإظهار عدائهم لنا، ولكننا لن نحاربهم بنفس الأساليب الخبيثة التي يتبعونها في محاربتنا، على العكس تماماً، فقيام الدولة الكوردية في قلب الشرق الأوسط سيكون عاملاً للاستقرار وسبباً لخلاص الشعوب العربية من فقرهم وويلاتهم واستبداد حكّامهم لهم، ولن يشكّل خطراً أو بُعبعاً على حياتهم، كما تتوقعها تركيا وإيران، الدولتين اللدودتين اللئيمتين اللتين ستحاربان مشروع الاستفتاء من خلال الشيعة والسنّة وبعضاً من الشخصيات والأطراف الكوردية التي لا تملك زمام أمورها، ومنهم شاسوار عبد الواحد مالك مجموعة NRT الإعلامية، الذي ينظّم حملة ضدّ الاستفتاء، بذريعة أن المشروع يتبع للبارزاني ولا يحظى بإجماع الأحزاب الكوردستانية، فيما البارزاني متمسّك منذ البداية بخيار السلمية بقدر تمسّك أعداءه بخيار العّسكرة. 
إذاً فالاعتراض الإيراني التركي على إجراء الاستفتاء، كما أكده رئيس إقليم كوردستان يعود إلى “وجود الكورد في بلدانهم”، وهو ما يشكّل حالة قلق وخوف دائمة من أن يتكرّر سيناريو قيام إقليم كوردي ومن بعده استفتاء على المستقبل الكوردي في بلادهم، كما يجري في الجزء الجنوبي من كوردستان، وفي المستقبل القريب في الجزء الغربي، وبالتالي فإن الحجم الكبير من الثروات الباطنية وغيرها من الثروات ستتوقف على شعوبهم، وتذهب جزؤها الأكبر للكورد والآخر لحلفائهم. 
فبالعودة إلى العنوان الذي وضعته للمقال، ومقارنته بمقولة الفيلسوف الأمريكي “أڤرام نعوم تشومسكي“، فإن شاسوار سيصبح شاشواراً، عندما يمضي في حملته ضد الاستفتاء ومن ثم الاستقلال، لأن إيران تتعامل مع أمثال شاسوار وبعض الأطراف الكوردية كأبواق مستأجرة بالمال والمناصب، فهي وتركيا لا تهمّها لا شاسوار ولا غيرهم، بقدر ما تهمها بالدرجة الأولى حماية مصالحها والقضاء على النفوذ والتمدّد الكوردي، حتى لو كان هذا النفوذ أو التمدّد عبارة عن تحقيق مشروع صغير تم إنجازه لأجل فئة صغيرة تعيش على كوكب المريخ أو المشتري، أو في دولة لم يسمع بها أحد، فلو كان شاسوار ملماً بمبادئ وأسس قيادة إدارة الأعمال والسياسة لما حارب الشعب الكوردي، من خلال الشخصنة الضيقة، التي هدفها الأول والأخير هي تشويه تاريخ ونضال العائلة البارزانية، التي قدمت أكثر من ثمانية آلاف شهيد، في خدمة أن تقام دولة كوردية، تضمن الأمن والاستقرار والعمران للشعب الكوردي بشكل خاص، ودول الجوار بشكل عام. 
ـــــــــــــــــــ
شاشوار¹: هو الاسم المختصر، الذي يتداوله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، تعبيراً عن حالة الرفض لمواقف رجل الأعمال الكوردي “شاسوار عبد الواحد“ المعارضة للاستفتاء على مستقبل إقليم كوردستان، فمعنى كلمة شاشوار أو Şaşwar تعني الموطن الخاطئ أو المكان الخاطئ، أما كلمة شاسوار أو Şaswar فتعني فارس الفرسان أو الملك الفرسان. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…