عبدالباسط سيدا
«حزب الله» تنظيم ديني مذهبي لبناني، يلتزم عقيدة ولاية الفقيه. تأسس في 1982. أما «حزب العمال الكردستاني» فهو تنظيم كردي- تركي، أصوله ماركسية- لينينية وتشكّل في أواخر 1978. أعلن في بداياته أن هدفه بناء جمهوريات سوفياتية شرق أوسطية، ثم رفع شعار تحرير وتوحيد كردستان.
الأول ديني التوجه، يصر على التسويغ الشرعي لممارساته وتوجهاته، فيما الثاني علماني، كان يشدد على ضرورة محاربة الإمبريالية والصهيونية، ويرى فيهما أصل بلاء كل شيء. لكن على رغم هذا التباين الأيديولوجي بين الحزبين، فإن ما يجمع بينهما هو الكثير من الخصائص والتحالفات المشتركة، ما مكّنهما من أداء أدوار متكاملة من مواقع مختلفة، ضمن الاستراتيجية ذاتها.
ما يميّز الحزبين هو التنظيم الصارم، وعدم التساهل مع أي تباين داخلي، واعتماد التقية في حالات الضعف، واستثمار القوة بغطرسة متناهية بمجرد امتلاكها، هذا إلى جانب أسلوب إلغاء الآخر المختلف بكل الأساليب الممكنة، خصوصاً داخل المجال الحيوي نفسه، الشيعي بالنسبة إلى «حزب الله»، والكردي بالنسبة إلى حزب العمال.
كما يتشارك الحزبان في تجييش الأنصار بصورة مستمرة، والقدرة على التنظيم المجتمعي تحت مسميات كثيرة تتغيّر باستمرار، والتركيز على العناصر الهامشية، أو الأخرى التي تعاني ثقل ماضيها الإشكالي، لسهولة انقيادها.
هذا إلى جانب الديماغوجيا الإعلامية، والشعارات الهلامية، والحرص الدائم على الظهور بمظهر القوة التي لا تقهر.
إضافة إلى ما تقدم، يتقاسم الحزبان التوجه البراغماتي الذي يمكّنهما من تغيير المواقف بالسرعة المطلوبة، والتنصل من الالتزامات التكتيكية، وبناء التحالفات مع أي كان، طالما أن ذلك يعطي دوراً، ويتكامل مع أهداف الإستراتيجية العامة.
أما إذا انتقلنا إلى مستوى التحالفات السياسية، فسنلاحظ أن الحزبين كانا على علاقة وثيقة مع النظام السوري في إطار مشروع إقليمي بعيد المدى، قائم على التعاون والتنسيق إلى درجة توحيد المواقف بين هذا الأخير والنظام الإيراني منذ بداية المرحلة الخمينية.
فقد تمكّن حافظ الأسد «العلماني» من الدخول في حلف إقليمي غير مسبوق مع النظام الإسلاموي في إيران. وتمكّن بالتفاهم مع حليفه الجديد من استخدام الحزبين «حزب الله» و«حزب العمال» في مشروعه للهيمنة على لبنان، وإزعاج تركيا ضمن حدود المستطاع، مستغلاً المظلوميتين الشيعية والكردية، مع العمل في حالة «حزب العمال» على توجيه أنظار الكرد السوريين نحو ما وراء الحدود، وإخراجهم من معادلة المعارضة السورية. أما في حالة «حزب الله»، فكان العمل على سحب مشروع المقاومة من القوى اللبنانية الأخرى، وذلك تحسباً لاحتمالات مستقبلية كانت تعتبر بالنسبة إليه غير مطمئنة.
ومع الضغط الذي تعرض له حافظ الأسد من تركيا، اضطر إلى إبعاد عبدالله أوجلان في نهاية 1998 عن البلاد، لكنه لم يتخل تماماً عن ملف «حزب العمال»، فنسّق مع الحليف الإيراني، ليتابع الأخير الملف، استعداداً لما ستسفر عنه الأيام.
ومع مجـــيء بشار الأسد، فقد النظام السوري القدرة على التحكّم بالتحالفات والموازين، فأصبح منقاداً لما يراه الحليف والراعي الإيراني، حتى أصبحت صور حسن نصرالله تنافس صور بشار نفسه في قلب دمشق.
ومع سقوط النظام البعثي في العراق، سارع النظام البعثي «العلماني» في سورية إلى التنسيق الكامل مع نظام ولي الفقيه الإيراني في سبيل دفع العراق نحو الفوضى العارمة، تحت شعار مقاومة الاحتلال الأميركي. وكانت عمليات التفجير الكبرى التي كان هدفها الأول خلخلة النسيج الوطني العراقي مذهبياً وقومياً ومناطقياً. وانسحبت الولايات المتحدة من العراق، وهذا كان مؤداه تسليمه للإيرانيين.
وفي لبنان كانت الاغتيالات المتواصلة التي بلغت ذروتها باغتيال الحريري، واعتقد الجميع أن الأمور ستحسم في لبنان لمصلحة أهله، الأمر الذي لم يحصل، بل تصدر «حزب الله» المشهد السلطوي بعد خروج القوات السورية.
ومع بداية الثورة السورية، عاد النظام السوري إلى دفاتره القديمة مع «حزب العمال»، وتم التوافق على دخول قواته إلى المناطق الكردية، والهيمنة عليها، لمنعها من الانضمام إلى الثورة في مرحلتها السلمية التي شملت سائر المناطق السورية. أما «حزب الله» فدخل، بناء على الأوامر، الأراضي السورية بذريعة حماية المقامات المقدسة. هذا في حين أن «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الفرع السوري لحزب العمال، رفع شعار العلمانية، ومقارعة الجماعات المتطرفة الإرهابية التي لم تكن قد ظهرت بعد (أواخر 2011).
لكن مع تطور الأحداث، وتزاحم الفاعلين الإقليميين والدوليين، ومن ثم دخول اللاعبين الأساسيين، روسيا والولايات المتحدة، بصورة مباشرة إلى الميدان، حدث بينهما نوع من تقاسم النفوذ على الأرض بما عليها من ميليشيات وقوى مسلحة.
«حزب الله» ما زال على تحالفه الاستراتيجي مع الولي الفقيه. ولكن يبقى السؤال بالنسبة إلى «حزب الاتحاد الديموقراطي». هل سيمكّنه الدعم الأميركي اللافت راهناً من فك الارتباط مع النظام الإيراني، والتحول إلى حالة كردية سورية، بل حالة سورية عامة، أم أن الأمور لا تخرج عن نطاق زواج مصلحة معلوم الهدف والأمد؟
* كاتب وسياسي سوري
جريدة الحياة