دلكش مرعي
إن راهن الشعب الكوردي وشعوب المنطقة وأوضاعها العامة هو محصلة ونتاج لتراثها وقيمها وعقائدها. أي يمكن القول بأن أي بحث و استقراء عن حالة التطور أو التخلف الحضاري لمجتمع من المجتمعات لابد له من أن يمر عبر تقصي الموروث التاريخي و ما يتضمن هذا الموروث من قيم و مفاهيم و عقائد تتحكم بصيرورة و مسار الكيان الاجتماعي. و هو الذي يحدد هويته و درجة تطوره الحضاري في المجالات المختلفة فالصلة المجتمعية النابعة من الإرث التاريخي و مفاهيمه و قيمه الاجتماعية لا تؤثر على وعي و سلوك شخص بعينه فحسب. بل تؤثر على الصفات الشخصية لكل فرد و توجهاته السلوكية بصفة عامة صفوة القول هو أن الفكر المتأزم التالف لا ينتج إلا ذاته كالبذرة الموبوءة ومن العبث المراهنة على مناهل ثقافية وفكرية وعقائدية مأزومة أثبت فشلها تاريخياً وبأن مثل هذا المناهل المأزومة سينتج ارتقاء وتطوراً مجتمعياً …
فمن يلقي نظرة متفحصة على تراث شعوب هذه المنطقة سيلاحظ بأنها تضمن جملة من الأفكار والمفاهيم السلوكية والعقائدية التي بنيت على قيم العصبيات والعقائد الجامدة والولاء المطلق لهذا العصبية أو تلك أو لهذا الصنم البشري أو ذاك أو لهذا العقيدة الجامدة لهذا الحزب أو غيرها من الأمور في هذا المجال … ومن المؤسف قوله بأنه لا يوجد في تراثنا وقيمنا ثقافة احترام الآخر واحترام المختلف واحترام حقوق الإنسان بل كانت هناك على الدوام وعبر مراحل تاريخية ثقافة قطع الرؤوس وسبي النساء وغزو الآخر وثقافة التأله والتفرعن وغيرها من القيم المعروفة التي سادت تاريخ هذه الشعوب ومازال نفايات هذه الثقافة وجيناتها مازالت مرسخة ومجسدة على تلافيف أدمغة من يدعون بأنهم يمثلون هذا الشعب … اختصاراً نقول بأن ثقافة الأنا والقيم المتأزمة وعبادة الصنم لا ينتج إلا إنساناً متأزماً يبقى على طول الخط أسير الفوقية وتضخم الذات … فالمعتل النرجسي حسب (لابلاش وبونتالس 1998) / يبقى في حالة العلاقة المرآوية مع الذات التي تنفي وجود الآخر / أي الغرق في صورة الذات والوقوع في سجنه فيتحول الذات المعتل بهذه الآفة إلى صنم نرجسي وحيد متأله يختزل كل الأمور في شخصه ويسخر كل الوسائل والإمكانات لتكون مطية وممر لتحقيق ذاته المعتلة المضخمة … فيمكن القول بأن شعوب المنطقة في هذه المضمار تفتقر إلى ثقافة الإنجاز أي أن تجعل معيار احترام الإنسان وتقديره عبر الانجازات التي ينجزه الفرد لخدمة مجتمعه ووطنه في هذا المجال أو تلك … والمتتبع لواقع الأحزاب الكردية المبتلية بهذا التراث ومنذ نشوئها الميمون سيلاحظ المتتبع بأن واقع هذه الأحزاب بسياساتها الكاسدة في سوق السياسة وبذهنيتها المتأزمة وعبر نصف قرن من الزمن لم تنتج ومنذ تلك التاريخ وإلى يومنا هذا لم تنتج سوى الجمود الفكري والتأزم والتبعثر والتشظي وإهدار الطاقات وخلق المزيد من الأذى النفسي واليأس داخل الشارع الكردي فتحولت إلى استبداد بائس تخيم على مفاصل الشارع الكردي وغصباً عن إرادة هذا الشعب …. فهذا الإرث قد أعاق تاريخياً حركة التقدم والتطور في المستويات الحضارية العامة لدى الكرد ومازال يفعل فعله على الأرض ويعيق بهذا القدر أو ذاك حركة النهوض والارتقاء لهذه الشعب وبسبب هذا الإرث المأزوم في غربي كوردستان فقد أصبحنا من بين الشعوب المهددة بالانقراض بسبب هجرة أكثر من ثمانين بالمائة من هذا الشعب فمن المؤسف القول في نهاية هذه الأسطر بأن الأنا النرجسية هي مازالت السلعة الأكثر شمولاً وتداولاً في بورصة الذات الكوردية