الارتزاق غدر الذات والمجتمع والوطن

شريف علي
يعتبر الإرتزاق من أقدم الأساليب التي استخدمت ولا تزال في الصراعات بين الأقوام والشعوب، فمنذ ان استخدمته الفراعنة المصريين خلال الألف الثالث قبل الميلاد وإلى يومنا هذا بقي الإرتزاق بمفهومه الإصطلاحي هو ذاته، القتال مقابل المال.
وخلال حقبة الحرب الباردة اتسعت ظاهرة الإرتزاق لتشمل اساليب جديدة بما يلائم طبيعة تلك الحرب والصراع بين القطبين العالميين/ أمريكا وأوروبا الغربية من جهة والاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية من جهة أخرى/، ذلك ليس من خلال تواجدها العسكري المباشر فقط بل من خلال تجنيدها لأنظمة برمتها والتي غالبا ما كانت تستقدم عبر انقلابات عسكرية أو حروب أهلية، تجند فيها مواطنو تلك البلدان ممن تجردوا من قيمهم الانسانية والوطنية والقومية، وأظهروا الولاء للمال، إلى جانب ما كانت يتم تجنيدهم من  بلدان أخرى لتنفيذ مهمات لا انسانية.
مع تزايد ساحات الصراعات المحلية والاقليمية خلال العقدي الأخيرين، وازداد الطلب على العناصر المرتزقة. بدأت تلك العناصر بتنظيم نفسها ضمن أطر تنظيمية شديدة الانضباط بقوانين صارمة، لعل أسهلها التصفيات الجسدية، يضاف إلى ذلك التسليح المتطور، واتساع مناطق انتشارها لتصبح بمثابة مؤسسات ربحية تدار من قبل شرائح معينة، ذات سلطة مستبدة على كامل أعضاء المؤسسات تلك، وبالتالي هي الأكثر استفادة على حساب دماء الآخرين، لتنفيذ أجندات ومخططات عدوانية لقاء الأموال الباهظة، حتى إن كانت الضحية ذويهم أو وطنهم، غير مبالين بتداعيات جريمتهم، بالنظر للأساليب القذرة التي يتم إتباعها في انشطتهم وممارساتهم، والمرتكزة أساساً على الغدر والخيانة، وتجاوز جميع القيم الانسانية والأعراف الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان، طفلاً كان أم امرأة أم رجلاً. كون الحالة الإرتزاقية تبدأ بالقذف المرتزق إلى خانة التجرد من الذات والولاء للآخرين واهدافه، وطالما هذا الولاء مرتبط بحجم الأموال التي تغدق عليه، فلا يلبث أن يتجاوز حاجز الذات ليتوجه لطعن المجتمع بأسره إن كان في نطاق دائرته المحلية أو النطاق الأوسع على المستوى الوطني والقومي غير مبال بأية روادع مجتمعية أو انسانية، حيث يكون المال العنصر الوحيد في قائمة أهدافه، بغض النظر عن الضحايا ونوعها وجنسها، كون الوسائل جميعها مباحة له، إن كان القتل أو الاختطاف أو التهجير أو التجهيل أو التجويع، بما يؤسس لبيئة غنية بالموارد البشرية التي تبحث عنها المؤسسات الارتزاقية، والتي ترى فيها المركب الذي يوصل بهم إلى ما يمكن تسميته تنظيمات عابرة للحدود الوطنية والقومية، ودون أية قضية يقاتلون من أجلها، سواء أقنعة مزيفة تبرر ممارساتها، وتبعدهم عن الملاحقات القانونية الدولية والمحلية بما يجعل حقوق الضحايا في مهب الريح، خاصة وأن النظم القضائية كغيرها من النظم المدنية غالباً ما تكون مغيبة في مناطق الصراعات وانتشار المرتزقة.
هذه السلوكية التي ترتهن بالمال لا يمكن لها أن تستقيم على أية سُبل من شأنها خدمة القضايا الإنسانية والوطنية والقومية ، وبالتالي فإذا كان الإرهاب لا دين له فإن الإرتزاق لا وطن ولا قومية له، لا بل غالباً ما يكون مصنعاً للإرهاب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…