عبد اللطيف محمدامين موسى
يحدّد الخطاب السياسي لأي دولة أو حزب أو كيان سياسي شكلها ومفهوم التوجه للسير في الاستراتيجية لتحقيق المصالح القومية العليا لتلك الهيئة أو الدولة كما يحدد الخطوط العريضة والسياسيات العامة في شكل تعاملها، والأسس والأطر العامة في رسم علاقاتها الدولية التي تنصب في خدمة مصالحها القومية العليا.
يعرف الخطاب السياسي بأنه شكل من أشكال الخطاب المتعددة، ويستخدم من قبل جماعة أو حزب سياسي معين، من أجل الحصول على سلطة معينة عند حدوث أي صراع أو خلاف سياسي، وله أهمية كبيرة تعود على الجهة المستخدمة له، وتكمن أهميته في أنه أداة ضرورية لاكتساب السلطة.
يميز الخطاب السياسي بأنه خطاب يقوم على عملية الإقناع للجهة الموجه لها الخطاب، بالإضافة إلى تلقي القبول والاقتناع بمصداقيته.
يعمل بشكل أساسي على تقديم المعارضات والاحتجاجات على سياسة متبعة في المجتمع الذي يعيش فيه، بالإضافة إلى مقاومة هذه السياسية والنظام المتبع من أجل تغييره والحصول على نظام آخر، كما يساعد في إخفاء الحقائق وتزييفها، وتقديم حقائق أخرى غير الموجودة والمتبعة من قبل أفراد معينين.
تقوم هذه الوظيفة على إعطاء السلطة لمجموعة معينة أو انتزاع السلطة من القائمين عليها، ففي التشخيص للأزمة السورية طيلة سنواتها، والفشل التي تحققه على كافة الأصعدة للخروج بحلول تفضي الى إنهاء للمعاناة وعودة سوريا الى مسارها الطبيعي في تعاملها الإقليمي والعالمي.
الخطاب السياسي المهزوز والمنقسم والمتشرذم بين السلطة والمعارضة المتمثلة في كياناتها السياسية المتنوعة ومنظمات المجتمع المدني .
هذه المسالة في غاية الأهمية لابد من الانتباه لها والعمل على تصحيح الخطاب السياسي للعودة به الى مساره والاهم في ذلك خدم الشعب السوري. بالنسبة للنظام السوري التعنت في خطابه السياسي وعدم القبول والانفتاح على الغير في مناقشته بصبغته المتشددة، والتي تخدم أجنداته والحلفاء الداعمين له، كما تمكنه من تعزز سلطته وهيمنته الأمر الذي حرمه من كافة أشكال التعامل الدولي، بل ازداد حجم العقوبات الدولية عليه، والتي يدفع ثمنها الشعب السوري من فقر ومجاعة والافتقار الى أدنى مستويات الحاجات الأساسية .
المعارضة السورية بكافة مكوناتها وخطابها السياسي لا تختلف من حيث الشكل والأسلوب عن خطاب النظام والتي تفتقر الى الأسس والمفاهيم والأشكال والأطر التي تضعها في قالب يمكن صياغته بشكل والأسلوب كي تخدم قضية الشعب السوري، وتعمل على إقناع كافة المنابر الدولية وتجمل صورتها أمام كل المهتمين بها.
كل هذه التوصيفات للخطاب السياسي لدى المعارضة والنظام يحصد الشعب السوري ثمنها في الإخفاق في حل قضيته على الصعيد الدولي، ويزيد من معاناة في الفقر والجوع.
الخطاب السياسي في كوردستان سوريا الذي يشكل جزءاً وامتداداً جغرافياً من سوريا، لا يرتقي الى المستوى الذي يخدم مصالح وحاجات الشعب الكردي، ولا يناسب التطورات الميدانية المتسارعة في المنطقة، و لا يلبي ادنى مستويات التعامل الدولي والاهتمام العالمي بقضية الشعب الكردي ومعاناته عبر التاريخ .
الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي يتحتم عليهما مسؤوليتهم القومية والوطنية والأخلاقية والإنسانية أمام شعبهم أن يسعوا الى تعديل خطابهم السياسي كي يكون في مستوى التحديات التي تلبي حقوق الشعب في روزافا كوردستان .هذه الإدارة كونها تفرض سلطتها بحكم الأمر الواقع وتتصرف بمقدرات الشعب، وتضع نفسها الوصي على الشعب، ومشكلتها في أنها لا تستطيع أن تفرق بين خطابها السياسي والأيديولوجيات المستوردة خارج حدود روزافا كوردستان، تلك الأيديولوجية التي أتثبت طيلة سنوات الصراع في سوريا بأنها لا تناسب وواقع روزافا كوردستان، ولا تلبيّ حاجاته ومتطلباته القومية والوطنية والأخلاقية. بل هي مطالبة أن تتخلى عن خطابها السياسي المتشدد تجاه الدولة التركية التي لا يكاد ولا تمر مناسبة إلا وتنتهج الخطاب السياسي المتحدي والمواجه للدولة التركية وبذلك تعطيها كل الحجج على احتلال المزيد من الأراضي في روزافا كوردستان في ظل الفرق الكبير في موازيين القوى العسكرية والسياسية، الأمر الذي يحدث شرخاً كبيراً بين خطاب مسؤوليها في الملف السياسي والعسكري. في ملفها السياسي نرى بعض الأحيان مسئوليها يتحدثون عن الانفتاح والدخول في حوار مع القوى الإقليمية بما فيها تركية.
أما المسؤولين عن الملف العسكري وما تسمى مؤسسات العوائل شهدائها وشبيبتها الثورية والمرأة تتحدث عن المواجهة الشاملة. هنا يلاحظ المتتبع للشأن السياسي في سورية بأنه ثمة تناقض كبير في الخطاب السياسي لدى مسؤولي الإدارة الذاتية تلك، الأمر الذي يجعلها لا تناسب وواقع الأزمة في كوردستان سوريا طلية سنواتها.
الخطاب السياسي للمجلس الوطني الكردي يحمل بين طياته الكثير من الإيجابية من حيث تلبيته لبعض من حقوق الشعب القومية والوطنية، ولكن هذا الأمر لا يعفيها من بعض الخلل في مستوى أداء اللاعبين الذين يواجهون الكثير من الخلل في أداء أدوارهم ومسؤولياتهم تجاه القسم الأكبر من الشعب في روزافا كوردستان والذي يمثله المجلس الوطني الكردي .
لكن قد لا يكون المجلس في مستوى مواكبة حجم التحديات والاستحقاقات المستقبلية في تلبية طموحات الشعب لافتقارهم الى المستوى الاكاديمي والفكري والخبرة والتجربة العملية التي تجعلهم في مستوى التحديات، ولا بد من إشراك الاكاديميين وأصحاب الشأن من الاختصاصين العمليين والقانونيين والسياسيين وعدم تجاهل جيل الشباب والمرأة والابتعاد عن الانتقائية والمحسوبية والمحاصصة، بغية إعطاء الصورة الصحيحة للقضية القومية لكل المهتمين بها، وعرضها بصورتها التي تناسب وواقع روزافا كوردستان في المحافل الدولية ومنحها الديناميكية كي تناسب التوجهات والتعايش بين جميع المكونات السورية.
إلى الآن لم نلمس أي اختراق ملموس في قضيتنا القومية في كوردستان سوريا، وليس بوسع الخطاب السياسي هذه إن تناسب شكل التعامل وواقع الحكومة السورية ولا الدول الإقليمية ايران، تركيا ولا حتى المعارضة السورية والتي دخلنا معها وبعض الوعود والتي لا تلبس أن تتراجع عنها في المسائل العروبة ،كما لم يستطع هذه الخطاب الى الآن إقناع المهتمين به من أمريكا روسيا ولا حتى الاتحاد الأوربي بواقع وقضية شعبنا ،وبأن كوردستان سوريا موطن التعايش، والمكان الذي يرعى المصالح الدولية ويجعلها تتقاطع مع مصالحنا .
يمكن القول بكل بساطة بأنه خطاب منقسم على نفسه في الفكر والعقيدة القومية والوطنية، وكما لابد من إعادة تصحيحه وتوجيهه نحو مساره الذي يناسب وواقع وحجم التحديات، ويلبي حقوق الشعب في كوردستان سورية، لتمكنه من إعطائه صورته الصحيحة في جميع المحافل الإقليمية والدولية في ظل الرعاية القومية المستمرة من الرئيس مسعود بارزاني