جدلية الصراع على السلطة والنفوذ في سورية

عبداللطيف محمدأمين موسى

إن جوهر وماهية الصراع على السلطة والنفوذ في سورية يتمثل في تجسيد حقيقي لتنفيذ كافة الأجندات والخطط الأستراتيجية لسياسة التحالف والمحاور التي تشكلت نتيجة الصراع العالمي على توسيع النفوذ والتنافس على التبعية والسيطرة الفكرية والاقتصادية والثقافية والسياسية من خلال العولمة لتشكل الصورة الحقيقة للصراع الحديث على السيطرة وتنفيذ الأجندات. مما لاشك فيه أن شكل الصراع شهد تطوراً من خلال أسلوب الاقتال بالأسلحة التقليدية وحرب الجاسوسية الكلاسيكية الى الصراع الفكري وتشكيل مستعمرات يتم توجيها عبر أيديولوجيات تشكل جوهر إدارة التبعية والتحكم لتأخذ منحة الإنتقال الى حرب الوكالة او ما تسمى في العلوم والدراسات الحديثة حرب ما وراء الأفق. 
أن الصراع في سورية بكل مراحلها التي عاصرتها تمثل في الصراع على السلطة من خلال الأنقلابات العسكرية المدعومة من بريطانيا وفرنسا التي عمِلت على تشكيل حكومات وسلطات عسكرية تابعة لها للتحكم في سورية ومصادرة قرارها السيادي والتحكم بمقدرتها الاقتصادية وأرثها الحضاري الى فترة أستحواذ البعث على السلطة في سورية في تجسيد التبعية الخارجية من خلال ماتسمى التبعية الصامتة عبر تنفيذ مصالح الدول والمحاور التي تقود الصراع في العالم ،حيث كانت التبعية البعثية واضحةً للاتحاد السوفيتي الذي قاد المحور الاشتراكي في المنطقة من خلال جعله للشعب السوري رهينة للأيديلوجية الشيوعية في قيادة الدولة والمجتمع، وكذلك تبعية السلطة البعثية في سورية للمعسكر(الامبرالية) التي قادته الويلات المتحدة في حماية اسرائيل وحدودها ومصالحها لعقود من الزمن، أما الشعارات في المقاومة والممانعة فهي برأي كانت موجهة للاستهلاك الداخلي والخارجي، ولكي اقطع الشك باليقين فإن حرب اكتوبر مثلت قمة الصراع بين محور الاشتراكية والمعسكر المنافس في العالم من أجل الصراع على النفوذ والذي أرغم فيه البعث الشعب السوري على خوضه لصالح المعسكر الاشتراكي الذي وقف الى جانب سلطة البعث في سورية بكل إمكانياتها العسكرية والسياسية في .لا أود الخوض مطولاً في ماهية الصراع القديم الذي رافق تشكيل الدولة السورية واستقلالها التي كانت تشكل التعبية الواضحة من خلال دساتيرها ومختلف أجهزتها ومفاصل إدارة الدولة في تبعية واضحة للخارج وللدول المهيمنة على النفوذ في العالم والشرق الأوسط . أن توصيف الأزمة التي تشهدها سورية منذ انطلاق ما يسمى الربيع العربي الى الآن من معاناة وهدم كافة ملامح الدولة أنما تشكل تمثيل حقيقي وصورة عن تلك التبعية للخارج ،وكذلك تمثيل حقيقي للصراع العالمي على تنفيذ الأجندات وتحقيق المصالح في سورية الأمر الذي يلاحظه جلياً كل متتبع للأزمة في سورية بأن الأزمة تدار من قبل الدول والأنظمة العالمية والإقليمية والشعب السوري أرغم على تنفيذ تلك الأجندات من دون امتلاك أدنى مقومات إدارة تلك الأزمة بل له النصيب الأكبر من المعاناة والهجرة والتشريد والقتل .أن الأنخراط الإيراني في الأزمة السورية بكل مليشياتها منذ اليوم الأول من الأزمة لتنفيذ مصالحها ومشاريعها المذهبية والطائفية وتصدير مشاكلها الداخلية وجعل سورية رهينة وكورقة لتصفية حسابتها الخارجية ،وكما أن الأنخراط الروسي في الأزمة لصالح سلطة دمشق أنما تمثيل حقيقي لسلب القرار السياسي والعسكري والاقتصادي في سورية، وجعل سورية العمق الحقيقي والساحة الخلفية لإدارة صراعها مع الناتو في سورية الأمر الذي تجلى واضحاً في الحرب الاوكرانية. الدور الأمريكي السلبي في الصراع السوري الذي اكتفى بدور المتفرج ومع السيطرة على منابع الطاقة والدعم السياسي والدبلوماسية الغير علني لدعم سياسات ومصالح إسرائيل في سورية وسوق الزرائع للشرعنة استمرارية وجودها في سورية من خلال محاربة الإرهاب ، وكذلك الدور التركي جاء أكثر سلبية ومدمراً على الشعب السوري عاماً وعلى القضية الكوردية على وجه الخصوص في الأزمة السورية من خلال الأصطفافات الخاطئة لبعض الفئات من الكورد المسلوبي القرار والمتاثرين بأجندات من خارج الحدود السورية ليجسد الدور التركي أبشع أشكال الاستغلال للشعب السوري اللاجئ في تركيا من خلال ابتزاز العالم به وأستغلاله في تنفيذ أجنداتها داخل الأراضي السورية وفي صراعتها في ليبيا وأذربيجان والكثير من المناطق الأخرى.أن الدور التركي السلبي على الشعب الكوردي وقضيته تمثل في أحداث تغير ديمغرافي في المناطق الكوردية التي أستقطعتها من سورية وأنكار الوجود الكوردي الأصيل فيها، وكما أن الخوض في مسائل الصراع في سورية يحتاج الى آفراد الكثير من الأبحاث والدراسات لتحليلها ودراسة نتائجها،  ولكن في المحصلة ما يهمني أن يعلم القارئ الكريم أن الصراع في سورية يمثل صورة حقيقية في التبعية للمحاور وللتنافس والصراع على تنفيذ الأجندات والمصالح على حساب الشعب السوري ومعاناته وطموحه في الحرية والمساوة والتعايش السلمي والديمقراطية، ولكن السؤال الذي يراود مخيلة كل سوري هو أنه الى متى سيبقى هذا الشعب أسير سلطات وأنظمة متسلطة على مقدرة بلده لتجعل منه رهينة مسيطرة عليها لتحقيق التبعية في تنفيذ مصالح الدول ذات النفوذ، وهل سيبقى بمعزل عن التأثر والاستفادة من مفاهيم وتجارب وخبرات الدول والحركات التحررية في العيش بكرامة ومحاربة الديكتاتورية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نارين عمر ألا يحقّ لنا أن نطالب قيادات وأولي أمر جميع أحزاب الحركة الكردية في غربي كردستان، وقوى ومنظّمات المجتمع المدني والحركات الثّقافية والأدبية الكردية بتعريف شعوب وأنظمة الدول المقتسمة لكردستان والرّأي العام الاقليمي والعالمي بحقيقة وجود شعبنا في غربي كردستان على أنّ بعضنا قد قدم من شمالي كردستاننا إلى غربها؟ حيث كانت كردستان موحدة بشمالها وغربها، ونتيجة بطش…

إبراهيم اليوسف منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ”السلطة البديلة” في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية. لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ…

شادي حاجي سوريا لا تبنى بالخوف والعنف والتهديد ولا بالقهر، بل بالشراكة الحقيقية والعدالة التي تحفظ لكل مكون حقوقه وخصوصيته القومية والدينية والطائفية دون استثناء. سوريا بحاجة اليوم إلى حوارات ومفاوضات مفتوحة وصريحة بين جميع مكوناتها وإلى مؤتمر وطني حقيقي وشامل . وفي ظل الأحداث المؤسفة التي تمر بها سوريا والهستيريا الطائفية التي أشعلت لدى المتطرفين بارتكابها الجرائم الخطيرة التي…

د. محمود عباس في عالم يتأرجح بين الفوضى والنظام، يبرز المشهد السياسي للولايات المتحدة في ولاية دونالد ترامب الثانية (2025) كمحطة حاسمة لإعادة تعريف التوازنات العالمية. إن صعود ما يُمكن تسميته بـ “الدولة العميقة العصرية”، التي تجمع بين النخب الاقتصادية الجديدة والتكنولوجية والقوى السياسية القومية، يكشف عن تنافس ضمني مع “الدولة العميقة الكلاسيكية”، المتمثلة في المؤسسات الأمنية والعسكرية التقليدية. هذا…