القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي


























 

 
 

مقالات: الفجيعة المستمرة لصديقنا الكاتب خليل مصطفى.. ويستمرُّ العزاء الحِدَاد

 
الجمعة 04 كانون الأول 2020


 إبراهيم محمود

فوجئتُ اليوم برحيل والدة الشهيدين " شهيديْ شبابهما، ووالديهما وأهلهما والحياة الكريمة في حدّها الأدنى ": حسين ورامان، من ضحايا شاحنة العار صيف 2015، زوجة صديقنا الكاتب المفجوع بعائلة كاملة الآن، تقريباً: خليل مصطفى. فجيعة مفتوحة، لا يبدو أن رصيدها سينفد، أن الذاكرة التي تنفلق في كل لحظة، لا يبدو أن هناك خاتمة مرسومة لها الآن. فجيعة لم أجد بداً من تسميتها، وأنا أستدعي مشهد الرعب " رعب من كانوا في الشاحنة تلك " وهول الصدمة بالنسبة لذوي الضحايا: الشهداء الفعليين، والحزن المهيب لوالد الشهيدين، وهو يحمَّل بحزن مضاعف، وتلك رفيقة دربه، مؤاسيته، مؤساة تنصب خريطتها الثقيلة الوطء مشرقاً ومغرباً.


وقلت " فوجئتُ " رغم يقيني شبه الكامل، أن المفاجأة لم تعد صالحة للاستعمال ومنذ سنوات، حيث ضروب الموت ومستجدات الموت، وأهوال المصائب تتزاحم، وهي تتقاسمنا هنا وهناك؟!
لم أجد بدّاً للتواصل مع الصديق الكاتب سوى بهذه الكلمات عزاءً موصولاً لا ينقطع، وبيننا، ما أقصرها من مسافة، لحظة محاولة التحرك والوصول، وأطولها من مسافة، لحظة التفكير في الطريق الوعْر والموعَّر بين دهوك وقامشلو، في حالات استثنائية كهذه، لشعب استثنائي عموماً، لبشر استثنائيين عموماً، لحياة استثنائية عموماً، لأناس لم يتم تسجيلهم بعد عموماً، في أكثر من رقعة جغرافية في منطقة جغرافية معروفة بحدودها، في خانة من يستحقون حياة تسمّيهم، ويتنفسونها كما يليق بهم.
تلك كتابة عزاء، مؤاساة،  حِدَاد من نوع آخر على وضع يومي، يشهد كل لحظة منه وفيه، أنّى التفت المتبصّر أكثر من شاحنة عار، بمعنى آخر في جهات ذاهلة. وأستميح الصديق الكاتب خليل مصطفى عذراً قبل أي كان، على نشْري صورة الوالدة المفجوعة وهي تستصرخ المتبقين بضمير حي ما، من أرشيف ذاكرة محفوظة، ومنشورة، هي صورة التي رحلت ربما سريعاً " وأقولها بالمقياس البشري " تحت وطأة حزن، لعلها لم تستطع تحمّله على مدار هذه السنين القصار الطوال، تاركة الزوج المفجع، أكثر من كونه مفجوعاً، قياساً إلى كثيرين من حوله، ولا أدري إلى أي مدى سيسنده ظهره ليستقيم على " حِيله " وقلبه ليستقيم على نفسه، وعقله ليستقيم على سويّته، وبصره ليستقيم على تميّزه للعالم من حوله، وهو متخم بإيمان، لا أشك فيه، إنما هي الصدمة الثقيلة التي تصدّع أحياناً جلمودها وفولاذ صبرها بالذات، وأنا هنا، كما لو أنني لست هنا واقعاً فيزيائياً، لا تمسكني أرض، حيث أرقبه من بعيد، قريباً جداً من ناظري، وهو يبث قهراً لا يورَّث إلى من يأتيه، أولا يستطيع القدوم إليه، على وقْع " كورونا " الأكثر مرارة، يأتيه أو يسمِعه صوته، وعن بُعد معزياً، بعبارة واضحة، أو متقطعة، أو بصورت متحشرج، تبعاً لمقام روح المعزّي، ووجه مأخوذ برهبة الفجيعة.

 
" من يستطيع ترجمة الوجه الأمومي المفجوع بكلمات، بكُتب كاملة ؟ "

 
" إلام ينظر هذا الأب/ الزوج الآن المفجوع بما لا يُرَد أو يعوَّض ؟ "

أكرر عزائي " إن كان فيه ما يجدي، لأخي" ثلاثاً ": خليل مصطفى، وكل مفجوع مثله ، أكثر أو أقل، ومهما كان نوع الفجيعة: نوعاً وجنساً، مكاناً وزماناً، وعمراً وحالة، بما تيسَّر من القول الذي ليس لي سواه، كما لو أننّي أخفّف من فجيعة أعيشها، كما يعيشها كل إنسان، وليس كل كردي، في صحراء العالم المهلِكة والتي تتسع باضطراد .
كل ثانية وأنتم أكثر صلابة أبا حسين، كل ثانية وأنتم أثرى إيماناً خليل الصبر، عزائي لكم في المتبقي عائلياً، لأهلكم، لمحبّيكم، لكل من يزن قول العزاء بما يواسي إنسانياً، أنّى كان .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.2
تصويتات: 5


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات