الوحدة الوطنية بمفهوم فيصل القاسم

صبري رسول

(أصاب في العنوان وأخطأ في النهج والمضمون)
ألا يكفي أن تكون هذه الجملة ردّاً على السيد فيصل القاسم، الإعلامي السوري المعروف صاحب برنامج (الاتجاه المعاكس)؟

قبل أن أستعرض مقال فيصل القاسم (الوحدة الوطنية خطّ أحمر) المنشور في جريدة الشرق القطرية، والذي أعاد نشره كثير من المواقع، أودّ الإشارة إلى أنّي تفاجأت بالخطاب السياسي والفكري للسيد القاسم من حيث مستواه الفني المتدني، وضعف وركاكة اللغة السياسية التي يستخدمها السيد القاسم، وهو المعروف بإدارته الناجحة في دفة برنامجه الأسبوعي في قناة الجزيرة، وهذه السّمة تنسحب على معظم كتاباته، ولا أقول خطابه الشفاهي، رغم لجوئه إلى ما يشبه المسبات واللغة المبتذلة البعيدة عن الموضوعية حتى في خطابه الشفاهي.
من حيث العنوان لا يختلف أحد من الكرد والعرب على هذا العنوان، فالوحدة الوطنية خطّ أحمر، والكردي يدافع عن هذه الوحدة قبل العربي ومع العربي، ولم يرد خلال تاريخ التعايش الأخوي في سوريا أن طالب الكرد بالانفصال لا في برامجهم السياسية ولا من خلال دعواتهم في بناء سوريا التي تتسع للجميع.

وليطمئن السيد القاسم أنَّ الكرد لن يطالبوا بالانفصال لأنهم سوريون ولن يرضوا إلا أن يكونوا سوريين، وهكذا كانوا على مرّ الزمن.
وأظنّ أن شعوب المنطقة جميعها تعي تماماً أنَّ اتفاقية سايكس بيكو وضعتْ مقصها الاستعماري على خريطة المنطقة، وجزَّأتها إلى دولٍ تتناسب مع سياساتها الاستعمارية، وفي هذه المنقطة كانت الشعوب تعيش متجاورة في هيكل التركة العثمانية، كردٌ وعربٌ وفرس وترك وغيرهم، وكانَ قدرُ العرب أن يُجزَّأ وطنهم إلى أكثر من دولة، وكان قدرُ الكرد كذلك، فتجزّأَ الكرد وفق هذه القدرية المؤلَّهَة ليعيش قسم منهم في العراق إلى جانب أشقائهم العرب، وبقي قسمٌ منهم في سوريا إلى جانب جزء من شقيقهم العربي، لم تقرّر العرب مصيرهم في هذه الخريطة، ولم يقرّر الكرد مصيرهم كذلك، والآن نحن أمام معضلة وجود وطنٍ يضمُّ أكثر من قومية، بغض النّظر عن مفهوم الأقلية أو الأكثرية بالمنطق(الرياضي والرقمي) كيف يمكن إيجاد عقد اجتماعي سياسي (يُقصَد بالعقد الدستور) لبناء دولة القانون ويحمي حقوق الجميع؟؟؟
كان يفترض بالسيد فيصل القاسم أن يطرح مثل هذا السؤال، لا أن يأتي بأمثلة غير صحيحة لا سياسياً ولا قانونياً، كما في المثال الآتي: ((لا يمكن أن تطلب أي أقلية من الفرنسيين أن يتخلوا عن أوروبيتهم)).

أوربا قارة، والفرنسيون حكماً هم أوربيون، ولا أحد يمكن أن يطلب فرنسا أن تتخلى عن أوربيتها، لكن لو كان هناك في فرنسا شعب آخر، كان من حقه أن يطلب بلغته وثقافته وحريته دون أن يطلب الفرنسيين التخلي عن فرنسيتهم.

في سوريا لا يطالب الكرد من العرب أن يتخلوا أو سوريتهم ولا عن عروبتهم، بل يطالبون بحقوقهم القومية في إطار الدولة السورية الواحدة.

هل يرضى السيد القاسم أن يتخلى ثلاثة مليون كردي عن لغتهم وثقافتهم؟ هل الشعب الكردي طارئ على المنطقة وعلى سوريا؟ أليس الكرد يعيشون على أرضهم منذ آلاف السنين؟
فبأي حقّ تطالبهم بالتخلي عن قوميتهم؟
طبعاً لن أقف عند مؤتمرات المعارضة السورية، التي يظنّ السيد القاسم بأنها ستأتي بالجنة لسوريا، هذه المسألة لا تعنيني، لأنها لا ترتقي إلى المستوى السياسي الطموح، وبيّن السيد هيثم المالح عمق الخلافات على الكراسي، والخلاف على الكرسي بداية الهزيمة قبل الانطلاق.
هناك مسألة أخرى تلتبس على الكثير من الساسة حتى في المعارضة السورية، وهي الخلط بين الدين والقومية، الطائفية كمفهوم سياسي هي الدعوة إلى تبني دين معين ومحاربة دين آخر أو تبني مذهب ديني أو تفضيل مذهب على آخر، وهذه مسألة خطيرة جداً، واللعب على هذه المسألة خطيرة للغاية، ومحاربة الفتنة الطائفية يجب أن تكون من خلال نظام سياسي علماني، يتساوى فيه الجميع، وأي انحياز إلى مذهب دينيّ على حساب مذهب آخر(الانحياز بمعنى مناصرته ومحاربة غيره) بقول أو فعل يعدّ إذكاء للفتنة، والفتنة جريمة سياسية واجتماعية، أما المطالبة بالحقوق القومية فلا علاقة لها بالطائفية.


أما ما يتعلق بما أتى به من مثال عن بريطانيا، فهو لا يخدم توجهات السيد فيصل القاسم، هذا المثال يدين ما يطالب به السيد القاسم فيما يتعلق بالمسألة القومية، فمحاربتك للقومية الكردية تضعك بجانب الوزيرة البريطانية، المتهكمة من إحدى الجاليات، والكرد هنا ليسوا جالية يعيشون في سوريا، إنهم من السكان الأصليين فيها كأشقائهم العرب، والتلاحم الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية وبناء النسيج الوطني السوري تأتي من خلال منح جميع القوميات حقوقهم السياسية والثقافية وحمايتها دستورياً، أما مفاهيم الاستعلاء القومي وإلغاء الآخر ومحاربة ثقافته ومحاولة تذويبه وإمحائه يجب أن نتجاوزها، بوصفها من نتاج مرحلة ثقافية وسياسية ساد فيها التعصب القومي.
هناك دول كثيرة تضمّ أكثر من قومية، وكلّ قومية تمارس حقّها السياسي والثقافي وفق دستور البلاد، والتشريعات الناظمة لها، والتعايش المشترك ذاك يعزّز الوحدة الوطنية ويجعل انتماء الموطن أقوى إلى درجة التباهي بوطنيته، هل نكتفي بمثال دولة كندا عن هذا الموضوع؟ وأظن أن السيد فيصل القاسم يعرف ذلك، لكن ما الذي يجعله ينظر إلى الوحدة الوطنية من منظوره القاصر؟
أوافقك الرأي أنَّ في أوربا وفي كثير من الدول المتحضّرة يعدُّ: ((النيل من الأعراق والطوائف والأثنيات والديانات في البلاد جريمة يُعاقب مرتكبها عقاباً أليماً)) وعلينا أن نفهم (النيل منها) والسؤال الذي أطرحه على السيد القاسم: فماذا تسمّي ممارسة السياسات الممنهجة ومحاربة وجود الآخر وتطبيق السياسات العنصرية بحقّه؟؟؟ إذا كان النيل من أي قومية جريمة، فماذا يعدُّ الخيالُ الخصبُ لدى صدام حسين الذي جلب الدمار على بلاده، ولدى عمر البشير الذي انفصل عنه ثلث بلاده ولدى أمثالهم الذين يتنكّرون لمواطنيهم المختلفين معهم في الدين والقومية؟

فعلاً أصبتَ القول في البادرة ((و لا أدري لماذا لم يتعظ البعض من تجربة العراق والسودان ولبنان والصومال، حيث التمزيق الداخلي على أشده)) أ نبني أوطاناً على مقياس خيال صدام حسين وعمر البشير وفيصل القاسم؟ أم نبني على حقيقة أرض الواقع بوصفها تنوّعاً وثراء وغنى ودعماً لنسيج الوحدة الوطنية؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف ما يلاحظ من صمت من قبل المثقف السوري أمام التحولات العميقة التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة يمثل في حقيقته ظاهرة لافتة، تكشف عن حجم التعقيد الذي يكتنف المشهد السوري. هذا الصمت- ولا أقصد الخطاب التهليلي الببغاوي- الصمت الذي قد يراه بعضنا خياراً واعياً بينما يجده آخرون منا نتيجة ضغوط وقيود، وهو لم يكن مجرد فعل فردي، بل…

خليل مصطفى منذ 13 عاماً ونخب كورد سوريا (المثقفون المُستقلون) لا زالوا يسألون: عن سبب عدم وحدة أحزابهُم السياسية.؟ وعن سبب ديمومة الخصومة بين زعماء أحزابهم.؟ يقول الله تعالى (عن المشركين): ( ما ينظُرُون إلا صيحة واحدة تأخُذُهُم وهم يَخِصِّمُون. يس 49 ). التفسير (التأويل): 1 ــ ما ينظُرُون: ما ينتظرُون إلا صعقة (نفخة) إسرافيل تضربهم فجأة، فيموتون في مكانهم….

بوتان زيباري في زوايا المشهد السوري المعقّد، تتشابك الخيوط بين أيدٍ كثيرة، بعضها ينسج الحكايات بدماء الأبرياء، والبعض الآخر يصفّق للقتلة كأنهم أبطال ميثولوجيون خرجوا من أساطير الحرب. في قلب هذا العبث، يقف أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، وكأنهم غيوم داكنة جلبتها رياح التاريخ المشؤوم. هؤلاء لم يأتوا ليحملوا زيتون الشام في أيديهم…

اكرم حسين تستدعي الإجابة عن سؤال أيُّ سوريا نُريد؟ صياغة رؤية واضحة وشاملة تُعالج الجذور العميقة للأزمة السورية ، وتُقدّم نموذجاً لدولة حديثة تُلبي تطلعات جميع السوريين ، بحيث تستند هذه الرؤية إلى أسس الشراكة الوطنية، والتعددية السياسية، والمساواة الاجتماعية، وتجاوز إرث الاستبداد والصراعات التي مزّقت النسيج المجتمعي على مدار أكثر من عقد. لأن سوريا الجديدة يجب أن تبدأ…