«الجزيرة» وزميلاتها وذهنيّة التهديد والوعيد

  هوشنك أوسي

باتت قناة «الجزيرة» القطريّة، تشكّل رعباً لأنظمة الاستبداد ورموزه في العالم العربي.

ذلك أن هذه القناة، ومنذ النصف الأوّل من هذه السنة، وبدء تغطيتها لأحداث انتفاضة تونس فمصر، وليبيا واليمن وأخيراً سورية، أثبتت أن الإعلام يمكنه أن يلعب دوراً كبيراً في الأحداث، لاسيما حين توصد الأنظمة الحاكمة الأبواب أمام تسرّب أخبار انتفاضات الشعوب وعمليات سحقها.

كانت «الجزيرة» و«العربيّة» و«بي بي سي العربيّة» و«فرانس 24» الرئات التي تتنفسّ من خلالها تلك الانتفاضات.

وكانت أعين العالم وآذانه على ما يجري في تلك البلدان.
وآخر مجالات الصراع في هذا الإطار البيان الذي تلقّته «الجزيرة» من محسوبين على النظام السوري وإعلامه.

من هنا أدى تفاقم حجم التهديدات التي يتلقّاها مذيعو «الجزيرة» إلى إصدار القناة القطــرية بياناً الأحد الماضي، نددت فيه بحملة «تهديد تستهدف صــحافييها، بسبب التغطية التي تفردها للثورات العربيّة».


وجاء في البيان: «تعرض مذيعو ومذيعات قناة الجزيرة إلى حملة تهديد طالت جوانب من حياتهم الشخصيّة، عبر اختلاق قصص وأخبار مفبركة، وصل بعضها إلى تهديد أمنهم وسلامة أفراد عائلاتهم»، مؤكداً أن الهدف من هذه الحملة هو «التأثير في التغطية والمعالجة المهنية التي تنتهجها الجزيرة في تناولها للثورات والاحتجاجات التي تعصف بعدد من الدول العربية».
وكشفت «الجزيرة» أن بعض المذيعات، تلقّين رسائل إلكترونية تتضمن أفلاماً جنسيّة مركّبة فاضحة بهدف تشويه سمعتهن.
كانت هذه التهديدات متوقّعة، بخاصّة من لدن نظم كانت «الجزيرة» في صفّها، حتّى وقت قريب.

ذلك أن هذه النظم، تعتبر أداء «الجزيرة» حاليّاً، من صنف «الخيانة» و«الانقلاب» ويندرج في سياق «المؤامرة» و«التواطؤ»… إلى آخر هذه التهم المجّانيّة.


بالتالي، كان متوقّعاً أن حملة التهديد والوعيد، ستطاول «الجزيرة» أكثر من زميلاتها الأخريات.

ومن المستبعد أن ترضخ «الجزيرة» ولا أية قناة أخرى لمنطق التهديد والوعيد، وتخسر ما حصلت عليه من سمعة وثناء وإعجاب الشعوب، وتتلف رصيدها الجماهيري.

لكن في الوقت عينه، من الواضح أن هذه القناة وغيرها، ومذيعيها، في حاجة إلى حملة مساندة عربيّة وشرق أوسطيّة وإسلاميّة ودوليّة، تشارك فيها كل المؤسسات الإعلاميّة العربيّة، أيّاً يكن مستوى الاختلاف والمنافسة في ما بينها، وأن تعتبر الاعتداء الذي تتعرّض له «الجزيرة» ومذيعوها اليوم والبقية غداً، اعتداء على الإعلام العربي والعالمي ككل

عن الحياة اللندنية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….