المثقف كناقد اجتماعي وبَناء وطني.. الراحل خليل كالو نموذجاً

دلشاد مراد

ربط أبرز المنظرين وعلماء الاجتماع مفهوم “المثقف” بالجانب الفكري والنهضوي للشعوب والمجتمعات. وبالتالي ليس من السهل إطلاق تلك الصفة على فرد ما في أي مجتمع كان إن لم يكن ذا قدرات معرفية واسعة وذا تأثير على محيطه ومتفرغاً لقضايا مجتمعه وشعبه. وأعتقد إن شعب أو مجتمع ما هو من يظهره ويرفع من شأنه نظير خدماته واسهاماته في نهضته وتطويره.
الكاتب الراحل خليل كالو أحد الذين أفرزتهم وأظهرتهم مجتمعهم كمثقف وناقد اجتماعي، إذ عرفناه كاتباً جريئاً متمسكاً بمبادئ شعبه لتحقيق حريته، ومثقفاً يدعو الى وحدة شعبه قولاً وفعلاً، ناقداً جريئاً لسلبيات الحركة السياسية والثقافية الكردية.
وُلد الراحل خليل كالو عام 1958 في قرية ديرونا قلنكا بمنطقة تربه سبيه- إقليم الجزيرة (شمال وشرق سوريا)، كان منذ شبابه مهتماً بقضايا وطنه، ونتيجة قربه من حركة التحرر الكردستانية ترجم العديد من كتب المناضل السيد عبد الله أوجلان من الكردية إلى العربية، كما ترجم إلى العربية مذكرات حسن هشيار حول الثورة الكردية عام 1925م بقيادة سعيد بيران، إضافة إلى جمعه للحكم والأمثال الكردية وكتابته للشعر الغنائي الوطني. كما أسس منتدى ثقافياً عام 2007 باسم “منتدى جكر خوين الثقافي” وشمل نشاطه مناطق آليان وكركي لكي وجل آغا، حيث ألقى فيه عشرات المحاضرات عن الثقافة والهوية الكردية.
وبعد اندلاع الأزمة السورية في 2011م واندلاع التظاهرات في مختلف مناطق تواجد الكرد في سوريا، استنفر  الراحل خليل كالو طاقاته وأخذ على عاتقه إلى جانب رفاق له مسؤولية ومهام تاريخية في تحقيق الوحدة السياسية الكردية معتبراً ذلك فرصة تاريخية أمام الشعب الكردي لنيل حقوقه المشروعة، فشكل مع رفاقه وفداً  للحوار الكردي – الكردي ونجح الوفد في مهمته بإقناع جميع الأحزاب للاجتماع والبدء بحوارات تشكيل مرجعية سياسية موحدة، ولكن وبسبب خذلانه من الأحزاب التي رفضت دور المثقفين والمستقلين وكذلك في تهميش بعضها البعض أثناء حواراتها، أخذ بالنقد اللاذع على سلبيات الحراك السياسي والثقافي والطبقة السياسية الكردية التقليدية التي راحت ترتهن المصالح الشخصية والحزبية فوق المصالح العامة للشعب والمجتمع. كما كان في بدايات الأزمة السورية جزءً من حراك سري غير مكتمل لتشكيل مجلس حكماء للشعب الكردي في سوريا. وخلال عامي 2012-2014م أبدى كالو تأييده بكل حماس لمكتسبات الشعب الكردي، ومنحته وحدات حماية الشعب شهادة عضوية فخرية لما بذله من مواقف مشرفة لخدمة قضية الشعب الكردي.
توفي الكاتب خليل كالو في منزله بقرية ديرونا قلنكا بعد صراع طويل مع مرض عضال في 15 أيلول 2015م. وقبيل وفاته كان ينشر مخطوطته “الكردياتي وأزمة الشخصية” على شكل مقالات متسلسلة على صفحات جريدة روناهي الورقية، والتي طبعت بعد وفاته ككتاب بدعم من جريدة روناهي عام 2017، وقد قمت حينذاك بتدقيق ومراجعة كتابه وإخراجه إلى النور، بل والعمل على طبعة ثانية للكتاب وبحلة جديدة في العام الجاري وهذه المرة بدعم من دار نشر شلير. 
في كتابه “الكردياتي وأزمة الشخصية” يحلل الكاتب الراحل الشخصية الكردية وأبعادها التاريخية والسياسية والاجتماعية ليطالب بـ “تجاوز الإنسان الكردي الشخصية السطحية وروح القومية البدائية المهزومة واغترابه عن الجذور والهوية التاريخية”.
يعتبر الكاتب الراحل خليل كالو نموذج المثقف الوطني والفعال في عملية نهضة مجتمعه وشعبه، وما أحوجنا إلى أمثاله في وقتنا الراهن الذي يشهد عجقة بالمثقفين المزيفين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الزاوية الأسبوعية “الحديث الثقافي”، صحيفة روناهي الورقية في شمال شرق سوريا، العدد 1015 / 22 أيلول 2021م.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…

نظام مير محمدي* في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة جمهوري إسلامي الحكومية مقالاً بعنوان “الخوف من ثورة الجماهير الجائعة”، محذرة قادة النظام: “كل يوم، تتعمق الأزمة الاقتصادية؛ يزداد الفقراء فقراً، والأغنياء ثراءً، ويصبح المستنقع غير المسبوق من النخبوية الذي يجتاح مجتمعنا أكثر انتشارًا”. وسلط المقال الضوء على أن الطبقة النخبوية الجديدة “تعيش في قصور أكثر إسرافًا من قصور الشاه…

إبراهيم اليوسف   لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، في وقتنا المعاصر، منصات عالمية تتيح لجميعنا التعبير عن آرائنا، مهما كانت هذه الآراء إيجابية أو سلبية. لكن هناك ظاهرة جديدة تتجسد في ما يمكن أن نسميه “إطلاق النار الاستباقي”، وهو الهجوم أو النقد في صورته المشوهة الذي يستهدف أي فكرة أو عمل قبل أن يرى النور. لا تقتصر هذه الظاهرة على…