صوت الأكراد*
وقد تفصح الدبلوماسية عن نفسها من خلال السفارات أو الممثليات أو مكاتب رعاية المصالح أو القنصليات بالنسبة للدول القائمة ذات السيادة، أو من خلال المكاتب الحزبية أو المنظمات أو التنظيمات أو التجمعات العرقية أو الثقافية أو غيرها من الفعاليات التي تنشأ غالباً نتيجة حصول موجات الهجرة إلى الخارج الناجمة عن الظروف السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية الصعبة بالنسبة للشعوب والأقليات والقوميات المغلوبة على أمرها ، كما هو الحال بالنسبة للشعب الكردي في المهجر وديار الغربة ..
وفي كلتا الحالتين فإن الدبلوماسية تتجلى في التعبير عن نفسها وعن سياستها وأهدافها القريبة والبعيدة، وفي توثيقها لعرى العلاقات بين هذه الدول والشعوب أو بين هذه المكونات المختلفة النماذج من خلال توضيحها لغاياتها وتحقيقاً لمصالحها المتبادلة وديمومتها … ونظراً لما يمكن أن تتمتع به الدبلوماسية الكردية المعاصرة من أهمية في المنفى ، وما يمكن أن تلعبه من دور أساسي في المساهمة في توصيل الأفكار والمبادئ والطموحات إلى الآخرين من الشعوب والدول والمنظمات والهيئات المختلفة ذات الشأن في الوسط الخارجي ، لكسب تأييدها ونيل دعمها السياسي والمعنوي ، واستمالتها إلى جانب قضيتها ، ومؤازرتها لتأمين الحقوق القومية المشروعة التي تناضل الحركة الكردية في الداخل من أجل تحقيقها .
فلهذه الأهمية لابد من التأمل والوقوف ملياً أمام العثرات والمصاعب التي تعترض سبيل قيام الدبلوماسية الكردية في الخارج بما يملي عليها من واجبات ومهام … فهي تعاني من هذه الزاوية من مصاعب جمة ومشكلات عويصة منها عامة ومنها خاصة .
عامة أنها تشكل في مهجرها خليطاً متفاوتاً غير متجانس من العقليات والكفاءات والميول والأفكار والانتماءات السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية ، والتي تعد من حيث الصفة دبلوماسية المنفى الاختياري بالنسبة للبعض من المهاجرين أو المقيمين الكرد في الخارج، أو أنها تعد من حيث الشكل دبلوماسية المنفى الإجباري بالنسبة للبعض الآخر منهم ، والتي تنتفي فيهما من حيث المضمون صفة أو شرعية الدبلوماسية الرسمية في العلاقات والتمثيل الخارجي ..
ومع هذا وذاك فإنه لا يمكن إنكار الدور المهم لهذه الدبلوماسية فيما يمكن أن تضطلع به من مهام صعبة وحساسة تخدم مصالح الشعب الكردي .
وإن كان يلاحظ فيها أحياناً بل أحياناً كثيرة جانب من المحدودية فيما قامت بها من واجبات وبما حققتها من أدوار وبما أنجزتها من علاقات متميزة تخدم آمال الشعب الكردي وطموحاته .
والتي ترجع أولاً وآخراً إلى كونها دبلوماسية متشتتة تعاني من مشكلات عدم التنسيق والاتفاق في الموقف والرؤية والى عدم الوضوح والشفافية والموضوعية في العرض والطلب وفي التحليل للأحداث والوقائع وعدم التباين بين ما ينبغي استثماره أو التخلي عنه في الشدائد والطوارئ والأزمات وذلك نتيجة عدم وجود جسور العلاقات والتعاون فيما بينها في تلك البلدان وفيما بينها، وبين الحركة الكردية المنقسمة على نفسها المتشرذمة أيضاً في الداخل والمتباينة في الآراء والمواقف والتحاليل، والتي تنعكس سلباً على ثبات مواقف الدبلوماسية الكردية في الخارج، عدا عن السيطرة العاطفية والعواطف وروح الإقدام عليها لوجودها في دول تتوفر فيها كافة مقومات الديمقراطية الحقيقية والحرية التي كانت تدفعها في أغلب الأحيان إلى المبالغة في العلم والخبر والتشخيص والتأويل وتبني مواقف محددة وذلك من النواحي القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، ومن حيث طبيعة دورها وإمكانية توفر أسباب إقامة العلاقات الدبلوماسية الوطيدة مع الآخرين أو مع تلك الشعوب التي تتعايش معها أو الدول والبلدان التي تحتضنها ، ومن حيث مبررات استمراريتها وترسيخها والاستفادة من تجاربها في المجال الدبلوماسي وبما يخدم المصالح المتبادلة والمتكافئة لكل الجانبين.
وأيضاً من المشكلات الخاصة بالدبلوماسية الكردية في الخارج هي ظاهرة تجمعها وتمركزها وتركيز نشاطها الدبلوماسي في بلدان معينة ومحددة دون غيرها من البلدان والدول مما يفضي إلى تحديد وتقليص دورها الإيجابي ، في عقد العلاقات المنتجة على نطاق أوسع والتي تقتضيها وتتطلبها ضرورات الدبلوماسية الكردية المعاصرة إزاء ما تقدم ، ولكي ترتقي الدبلوماسية الكردية في المنفى الإجباري أو الاختياري إلى المستوى الرفيع المطلوب الوصول إليه وتتمكن من التعامل مع المحيط الخارجي الذي تخالطه بإيجابية وتؤدي المهام العاجلة الملقاة على كاهلها في التعبير عن الآمال والطموحات وعقد العلاقات المتميزة ، ينبغي من الحركة الكردية في الداخل الإحساس العالي بالمسؤولية في إبداء التعاون اللازم معها ابتداءً من ذاتها من خلال ترتيبها للبيت الكردي الداخلي والاتفاق على إيجاد مرجعية كردية موحدة وصياغة برنامج سياسي مشترك ينطلق من واقع الشعب الكردي ومصلحته القومية المشروعة ويلبي طموحاته الأساسية ويؤسس لتأمين حقوقه العادلة ومن ثم توثيق الاتصالات مع الدبلوماسية الكردية في الخارج على هذا الأساس تلك الدبلوماسية المتمثلة بالمقيمين والمهاجرين والمغتربين ، وإجراء الندوات العلمية لها تشمل كافة الجوانب والمحاور القانونية والسياسية والثقافية والاجتماعية والإعلامية المتعلقة بالدبلوماسية والتي تؤهلها في الكشف عن الممارسات العنصرية والتدابير التي تطبق بحق الشعب الكردي في سوريا ، والارتقاء بدورها إلى مستوى السفارات والقنصليات في التعبير عن نفسها وعن آمال شعبها ، وفي عقد العلاقات الدبلوماسية المناسبة مع الدول والشعوب والتنظيمات والمنظمات السياسية والإنسانية وغيرها من الفعاليات باسم الحركة الكردية في سوريا والى توصيل الأفكار والآمال وفق الخطاب السياسي الموحد والمعتمد من قبل الحركة الكردية إلى الرأي العام العالمي في الخارج ، وكسب التأييد والدعم اللازم للقضية وإيجاد الحل الديمقراطي العادل لها بالوسائل الدبلوماسية المناسبة .
—–
* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) – العدد (394) آب 2007
لتنزيل كامل العدد (394) من جريدة صوت الأكراد انقر هنا Deng_394