الكورد السوريين و السياسة …!!

دلدار بدرخان 
في بعض الأوقات قد يتخلى المرء عن بعض قيمه ومبادئه في سبيل هدف أرفع وأسمى ، فليس الفطنة في السياسة هو ذاك العاطفي الذي تُحركه عاطفته القومية و تأخذه أحاسيسه الباطنية إلى جُرفٍ هار فتوهن وتُضعف موقفه السياسي ، و ليس ذاك الذي يُبدع في صناعة الشعارات أو يهرول خلف شعارات محمومة و فارغة لا تُغني ولا تسمن من جوع ، وليس ذاك الأبله الذي يقدم الشهداء ويتغنى بأعداده ليُزيد به رصيد حزبه و يُكرس مصالحه الحزبية و يبرر فشله السياسي ، فالسياسة فن الممكن وتحقيق الإنجازات على أرض الواقع بأقل الخسائر ، و الوصول إلى الأهداف السامية بحنكة ورزانة وتدبير رصين و مُتقن . 
– قد يحتاج السياسي الفطن إلى وسائل عديدة و غير مرضية لدى البعض و يُمقتها عامة الشعب للوصول إلى غايات تأتي بالمنفعة العامة على الجميع ، وسائل مشروعة لا ضرر أو ضرار فيه.، ظاهرها جشع و بغض ، وباطنها منفعة ومكسب ،  كأن يصافح السياسي أعدائه ويجلس معهم ويحضر ندواتهم واجتماعاتهم ، ليس حباً بهم وبمصافحتهم أو الجلوس معهم ، وإنما ليطرح أسبابه وحيثياته وشروطه ووجهات نظره بهدف إقناع مخالفيه وأعدائه و إعطاء صبغة مشروعة لمطاليب شعبه وقضيته ، فالسياسي الذي يجلس في برجه العاجي ويتمسك بعاطفته ويوهم نفسه وغيره أنه صاحب قيّم و مبادئ ثابتة لا تتغير ولا يتقن سوى صناعة الشعارات الحماسية ويندب حظوظه و يضع فشله على قوة أعدائه وسطوتهم ويأبى أن يخرج من ذاك البرج ليتعامل بدبلوماسية مع مخالفيه و أعدائه أقل ما يُقال عنه أنه متطفل على السياسة وفاشل وأرعن و لن يضر نفسه فحسب وإنما سيرسل قضيته وشعبه بعقليته وذهنيته الفجّة وسياساته الفاشلة إلى التهلكة والرزية ، وهذا ما يعانيه ساساتنا الكورد في سوريا المصابين بمرض الطفلنة السياسية ولا يريدون الخروج من قوقعتهم وإطارهم الفارغ ، وهذا ما وصلنا إليه من مأساة نتيجة تلك السياسات.  
– لقد تكلمت في مقالات عديدة قبل سنوات عن ضرورة فتح قنوات دبلوماسية مع الدولة التركية وغيرها والإنفتاح على الجميع وتكثيف الندوات والأجتماعات مع المختلف بشرط عدم الخروج عن الثوابت و عدم تجاوز الخطوط الحمر ، بعد وضع ثوابت و رؤى سياسية و أهداف ثابتة ، فما نحن فيه من فشل سياسي هو نتيجة الخوار والضعف الذي يتميز فيه ساساتنا ، و ضعف الرؤى السياسية والدبلوماسية لديهم ، وعدم أستطاعتهم الخروج من الدرقة التي وضعهم فيها خباثة قنديل وقياداتها المشبوهة . 
– بعض الأخوة الكورد السوريين يحاولون أن يتحركوا ، فيُقيمون ندوات واجتماعات يدعون إليها العامة ، و كذلك يحضرون إجتماعات المعارضة السورية أو ندوات تركية أو غير ذلك مع المختلفين معهم ، فيحاولون من خلال تلك الجلسات والإجتماعات واللقاءات طرح قضايا شعبهم ، و استبيان وجهات نظرهم ورؤاهم السياسية حول القضية الكوردية ، ويحاولون بشكلٍ أو بآخر رفع النقاب عن جوهر القضية الكوردية في سوريا ، و إظهار حقيقة ماينشده الشعب الكوردي من طموحات داخل سوريا ، إلا أنهم يتعرضون للإهانة و تهمة الخيانة والعمالة وما أهون هذه الكلمة عند شعبنا الكوردي الذي أخذنته العاطفة الجياشة التي تفرزها الإعلام المضلل وبعض القنوات الخبيثة في أدمغتهم ، فكل من أختلف معهم في السياسة ولم يمشي على خُطاهم يعتبرونه عميل وخائن …!! 
– بصراحة لا أعلم كيف سيدعم السياسي الكوردي موقفه وموقف شعبه إن لم يطرح قضيته وأفكاره على الآخر المختلف ولم يبادر إلى إقناع أعدائه بضرورة حل قضيته لتُرسي المنطقة إلى بر الأمان ؟ 
– كيف سيقنع السياسي الكوردي الطرف الآخر المختلف الذي يعارض قضيته إن لم يحضر ندواته واجتماعاته ويطرح افكاره وقضيته عليهم . 
– كيف سينجح السياسي الكوردي إن جلس في برجه العاجي ولم يخرج على الناس ولم يبادر إلى فتح قنوات دبلوماسية مع الجميع بما فيه أعداء شعبه …؟
– كيف سيقنع العالم بقضيته إن أكتفى بالجلوس مع من على شاكلته ويحمل نفس افكاره ورؤاه ، فالحنكة هو إقناع المختلف وليس إظهار الذكاء على الآخر مع من يتمتعون بنفس الفلسفة والنهج والعقلية . 
– مع الأسف سنفشل كثيراً حتى نتعلم السياسة ونتقن فنونها .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس نقدرها ونعتبرها خطوة مهمة نحو الاستقلالية السياسية. في خطوة طال انتظارها، أعلن المجلس الوطني الكوردي، في السابع من فبراير 2025، انسحابه الرسمي من الائتلاف الوطني السوري، الكيان الذي حمل اسم “الوطني” لكنه لم يكن يومًا كذلك، بل تحول إلى أداة طيعة بيد تركيا، تتحكم به مجموعة من السياسيين الذين جعلوا من القضية السورية ورقة مساومة…

إبراهيم كابان لطالما كانت القضية الكوردية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط، حيث يتوزع الكورد على أربع دول رئيسية (تركيا، إيران، العراق، سوريا). وقد أظهرت التطورات التاريخية أن الكورد يحققون مكاسب عسكرية على الأرض، لكنهم غالبًا ما يخسرون تلك المكاسب على طاولات المفاوضات، بسبب ضعف الموقف السياسي الكوردي وتعرضه لضغوط إقليمية ودولية. يتناول هذا المقال التحليل الجيوسياسي لهذا…

انعقد اليوم في صالة عفرين بمدينة قامشلو “الملتقى الأول للثوار الكرد السوريين”، تحت شعار: المصلحة العُليا تجمعُنا”، وحضر الملتقى قيادات لأحزاب سياسية، مثقفين، كتاب، نشطاء، شخصيات مجتمعية، إعلاميين. وبعد نقاشات كثيرة أغنت المحاور المقررة من قبل شخصيات كانت لها مداخلات وآراء حول النقاط المتفق عليها أعمال الملتقى وهي: 1- التأكيد على وحدة الموقف والصف الكردي، وإيجاد مرجعيّة كرديّة تحدد مطالب…

نارين عمر أعلن المجلس الوطني الكردي انسحابه من الائتلاف الوطني السّوري خلال اليومين الماضيين، وقد انقسمت آراء شعبنا بين مؤيّدين ومعارضين لهذا القرار مع وجود غير مهتمين وغير مبالين به. ربّما لا يمكن الحكم على قرارهم بالصّواب أو ضدّه لأنّ عملية الانسحاب تمّت، ولكن شعبنا يطرح تساؤلات واستفسارات عدّة حول ذلك، ولا بدّ لأعضاء المجلس الإجابة عليها وبأسرع وقت ممكن:…