كرد حيص بيص

إبراهيم محمود
للتسمية دور كبير في التعريف بمسمّاها. تبعاً لذلك، وجدنا، كما نجد، أي إقلاق لواقع حال الكرد: كرد سوريا/ كرستان روجآفا/ كردستان الشمالية الصغيرة / أكراد سوريا.. تسميات تعرَف بمأزقها في الاعتبار، ولم تتثبت تسمية محدَّدة، كما هو الزئبق، وفي هذا، ثمة الكثير مما عاناه هؤلاء الكرد/ الأكراد، ويعانونه بسببها، وبسبب نظرة ” الكرد الآخرين ” إليهم، باعتبارهم الكرد الذين لم يشبّوا عن طوق العجز الذي يبقيهم في ذمة سواهم، وما للذمة من أثقال .
يتذكر هؤلاء كيف جرت محاولات في الربع الأول من القرن الفائت، لربطهم بـ” هَواهم الشمالي “، أي كردستان تركيا ” جمعية خويبون، مثال حي “، وكل ما قدّموه عبَّر عن واجب الصغير إزاء الكبير، الضعيف إزاء القوي. ومن المفارقات الكبرى، أن شباب هؤلاء وشاباتهم، وحتى نسبة من رجالهم ونسائهم، قد تم تحويلهم إلى هذه الجهة، وكأن لا قضية لهم، إلا خارجاً، وأن ليس في مقدورهم، أن يُسمّوا أنفسهم كرداً، ويمثّلوا كرديتهم إلا خارجاً، كما في حال مستجدات حزب العمال الكردستاني، والآلاف من الشباب والشابات الذين راحوا في ” شربة مية “، وحتى في مخاض الصراعات والحروب المتعددة في الداخل السوري منذ ثماني سنوات، كانوا ممثّلين من خارجهم، لا بل ومعرَّضين لشتى صنوف العنف، لحظة الاعتراض، من خلال مفهوم ” الكوادر ” الذين اعتمدوا لغة الثكنة العسكرية، وفي مفهوم قطيعي، وما نعيشه حتى الآن متداخل مع ما تقدم، كما في فظاعات الدائر راهناً.
وإذا أردنا إضاءة نوعية صلاتهم بباشوري كردستان، فإن أول ما نلحظه، هو أنه من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، تبيّن صفة الاستقلالية في من يتزعمهم. ويتقاسم هذا الداء طرفان: من الداخل، حيث يوسّعون قاعدتهم التحزبية، ولنيل مكاسب شخصية، وخارجاً، تعبيراً عن كاريزما حزبية هي الأخرى، وقد امتد الشق التحزبي إلى داخلهم، قياساً إلى التفارق الحزبي في باشوري كردستان. في الحالتين، ضاع هؤلاء الكرد، أو ضيَّعوا أنفسهم وراء ” قادتهم؟ ” بين شمال أذاقهم المر، وجنوب، لم يستطيعوا تأكيد استقلالية معينة، وما في ذلك من خاصية ذاتية تابعة، حيث كل ما يقدّمونه واجب مفروض عليهم، وكل ما يقدَّم لهم فضل عليهم.
هم كرد حيص بيص. في كل تسمية يدفعون، كما دفعوا الثمن غالياً، وما في ذلك من جهل مريع فظيع بتحديات الموقع الجغرافي، وليس مجرد إطلاق التسمية هذه أو تلك دون تمحيص. ليس التلويح بتسمية معينة، بالأمر السهل، إنما تتطلب قدرات معرفية، ودراسة استراتيجية جغرافياً وتاريخياً، وهذا ما لم يقم به المعنيون بأمر هؤلاء الكرد. وأكثر من يربح من هذا التخلخل خصومهم، أو أعداؤهم، بينهم، وفي محيطهم، أو من يسوسونهم. فإذا اعتبروا أنفسهم كرد سوريا، يخطئون، لأن هناك امتداداً لهم، وإذا اعتبروا أنفسهم جزءاً من كردستان، يجدون أنفسهم في حكم الوصايات عليهم، وإذا راهنوا على جهة جغرافية ذات طابع قومي، ينبري أكثر من خصم وعدو لهم، ومن داخلهم، لأنهم لم يشبوا عن طوق التبعيات الكبرى.
أعني بهم، لأنهم- حتى اللحظة- في السن المحيَّر- بوعيهم القومي والثقافي، ولهذا ينزفون قواهم، ويهدرون طاقتهم، وهم يتحركون في هذا الاتجاه أو ذاك، وحبل الضحايا على الجرّار!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد فتحي خليل* منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، شهد المجتمع الكوردي تحديات كبيرة واختبارات دائمة في ظل تلك الظروف المضطربة. لم يكن الصراع بعيدًا عن الكورد، بل كان لهم نصيب كبير من التداعيات الناتجة عن النزاع الذي استمر لعقد من الزمن. إلا أنه، في خضم هذه التحديات، برزت أيضًا بعض الفرص التي قد تعزز من مستقبلهم.

نظام مير محمدي * للشعب الايراني تأريخ طويل في مقارعة الظلم والاستبداد والمطالبة بالحرية والحقوق المهضومة، وقد تجلت في العديد من المراحل التأريخية المختلفة، لکن أبرزها ما قد تجلى في المواجهة الضارية لهذا الشعب مع دکتاتوريتي الشاه ورجال الدين على حد سواء، ولاسيما وإن الدکتاتوريتين قد تميزتا بلجوئهما وإستخدامهما للقمع المفرط ضد الرفض الشعبي لهما. الشعب الايراني ومن خلال ذلك…

د. محمود عباس نقدرها ونعتبرها خطوة مهمة نحو الاستقلالية السياسية. في خطوة طال انتظارها، أعلن المجلس الوطني الكوردي، في السابع من فبراير 2025، انسحابه الرسمي من الائتلاف الوطني السوري، الكيان الذي حمل اسم “الوطني” لكنه لم يكن يومًا كذلك، بل تحول إلى أداة طيعة بيد تركيا، تتحكم به مجموعة من السياسيين الذين جعلوا من القضية السورية ورقة مساومة…

إبراهيم كابان لطالما كانت القضية الكوردية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في الشرق الأوسط، حيث يتوزع الكورد على أربع دول رئيسية (تركيا، إيران، العراق، سوريا). وقد أظهرت التطورات التاريخية أن الكورد يحققون مكاسب عسكرية على الأرض، لكنهم غالبًا ما يخسرون تلك المكاسب على طاولات المفاوضات، بسبب ضعف الموقف السياسي الكوردي وتعرضه لضغوط إقليمية ودولية. يتناول هذا المقال التحليل الجيوسياسي لهذا…