وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » – 16/9

 ابراهيم محمود
  
16- بورتريهات وجوه  
9″- وجه الصديق خليل مصطفى مفجوع ولديه، لم يعد بيته
وجدتني أمام باب ” حوشه ” بيته القريب من شارع ” الخليج ” في قامشلي. ورغبة تدفع بي إلى ملاقاته. وفي ظهيرة تموزية، لم أعبأ بها، ربما لأن الذي عايشته في الذي أريد التحدث عنه، ومأساته المغايرة، أنساني سطوة حر تموز. كان الباب رغم طرْقه أخرس، وفي الداخل صمت مرافق. أقلقني عدم الرد، وكلّي تساؤل عما يجري، حتى أعلمني جاره: مقابله، أنه ليس هنا، إنما في اللاذقية، وقد باع بيته. أهي استحدالة القدرة على تحمُّل آلام حِدَاد لا تفارق روح أهله ؟
أمام ناظري، في ذاكرتي، صورة ولديه/ شابيه، وهم في نضارة عمرهما: حسين ورامان، وكارثة موتهم إلى جانب آخرين، قبل أربع سنوات، وقد كتبت حينها مقالاً عن هذه الكارثة ونشرته في موقع ” ولاتي مه- 17 أيلول 2015 “. أمام ناظري الشابان بكامل عافيتهما، بكامل هدوئهما، حيث كنت ألتقيهما، وأنا في زيارة والدهما المفجوع بهما الصديق الفنان خليل مصطفى. أمامي وجه خليل مصطفى الذي يظهر تماسكاً، مشدّداً على إيمانه بالمقدور، سوى أنني سأتعدى هذه اللحظة الوجهية، هذه العلامة اللحمية المرئية بعمق، متلمساً داخله، قلبه، كبده، روحه، هو في مجموع قواه النفسية، وكيف أن حزناً لا يقاوَم بيسر، قهراً لا يجابَه ويرَد بسهولة، إرهاقاً شديد الوطأة يتقاسم جسده في تمامه. أمام ناظري صورة أمه التي فجِعت مثل والدهما بولديهما اللذين أرادا حياة كآخرين، ولكن لعبة الموت والحياة لها قانونها الخاص هنا.
  هل يمكن تحمّل مشهد كهذا، حيث يعلِم بفاجعة حسين ورامان وآخرين ؟
لعله يأس، لعله، نفاذ ذخيرة الصبر، لعله خيبة أمل من وسط يعنيه، لعله تدبير روح لم تعد قادرة لأن تفي بالمطلوب، أن تبقي أبا حسين، كما كان. فأبو حسين الذي سبق وقوع الكارثة الغادرة السافرة العاتية الضارية…الخ، ليس ” أبو حسين ” بعد وقوع هذه الكارثة، ليس ” أبو حسين ” بعد توالي أيام، والشعور بوحدة، بآلام فقدان أحبة الروح، يتضاعف، كما لو أن البيت الذي شهد ولادة شهيديّ غربة قاتلة، نمساوية الاسم، وترعرعهما، ونشاطهما دخولاً وخروجاً، مرحاً وترداد أماني، متابعة دراسة ومعايشة أحلام، ومؤانسة أهلية…الخ، كما لو أن ” حوش ” البيت/ الدار، وهو في رحابته إذ يحتضن السماء عن بعد، هو الآخر لم يعد قادراً على تلبية ما يريده أبو حسين وأم حسين وأخوات حسين. كما لو أن ” أبو حسين ” المأخوذ بخيبات خارجة، وقد تلاقحت مع أوجاع خاصة به، وبعائلته، حفّزته ليشد الرحال أقرب إلى المهزوم، كما لو أن البيت استحال شبحاً، وهو ينزف قواه.. كما لو أن النأي عن المكان، يبقيه على الأقل في وضعية أكثر توازناً، ولو أن الحداد مستمر، وأن جرح الروح ينزف.
كلمات قلتها، واكتفيت بها، وأنا أستشعراً ضغطاً نفسياً بالكف عن الاستمرار، وبي حزن صارخ.
……….. يتبع
10″- وجه ابراهيم يوسف من الجانب الآخر من المعلوم بوجهه
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمد صالح شلال الشباب هم عماد أي أمة وأساس تطورها وازدهارها، فهم الفئة الأكثر طاقة وحيوية وقدرة على الابتكار والتغيير. يشكل الشباب نسبة كبيرة من المجتمع، ولذلك فإن تمكينهم وإشراكهم في بناء المجتمعات يعد ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والنهضة الشاملة. إن الدور الذي يلعبه الشباب في المجتمع لا يقتصر على مجال واحد، بل يشمل جميع القطاعات، سواء…

عبدالباقي اليوسف تثير الدعوات التركية المتكررة للمصالحة مع الكورد الكثير من الشكوك والتساؤلات، خاصةً في ظل تاريخ طويل من الصراعات والخلافات. فهل يمكن الوثوق بالنظام التركي عندما يتحدث عن “الأخوة” مع الكورد؟ وهل هذه الدعوات تعبر عن نوايا صادقة أم أنها مجرد تكتيك سياسي لتحقيق أهداف أخرى؟ يثبت التاريخ الحديث أن النظرة التركية للكورد غالباً ما تكون مشوبة…

خورشيد شوزي الإعلام، بوصفه السلطة الرابعة (كما يسميه البعض) في المجتمعات الحديثة، لم يكن يوماً مجرد ناقل للأخبار، بل هو فضاء مفتوح تتقاطع فيه الحقائق مع المصالح، وتنصهر فيه الموضوعية مع التوجهات السياسية والأيديولوجية. في عالم مثالي، يُفترض أن يكون الإعلام حارساً للحقيقة، يضيء زواياها المظلمة، ويكشف زيف الادعاءات والتضليل. لكنه، في كثير من الأحيان، يتحول إلى أداة…

د. محمود عباس لا يمكن النظر إلى التحشيد العربي والإسلامي في دعم القضية الفلسطينية خارج هذا السياق، فكلما ازداد الخطاب العدائي ضد إسرائيل، ازداد بالمقابل دعم الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل، وتحول الصراع من فلسطيني-إسرائيلي إلى صراع بين الغرب من جهة والدول العربية والإسلامية من جهة أخرى. فبدل أن يكون هناك صراع سياسي يتمحور حول إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، بات…