
من الواضح أن حزب العدالة والتنمية التركي من أول الأحزاب التركية التي انفتحت على القضية الكوردية في تاريخ الجمهورية التركية الاتاتوركية التي أسسها كمال اتاتورك على أنقاض الامبراطورية العثمانية ، أتاتورك الذي اختار لها نظاماً برلمانياً حاميها الجيش و العسكر ، و دستوراً عنصرياً فاشياً اساسه لا يوجد أي قومية في تركيا إلا العنصر التركي و شعار الجمهورية المعروف “شعب واحد وعلم واحد و لغة واحدة ” وبالنظر الى المراحل التي مرت بالجمهورية التركية عبر تاريخ نشوئها و الى الان كان للجيش و العسكر الدور الاكبر في حماية الجمهورية الاتاتوركية عبر الانقلابات الدورية بمعدل انقلاب كل عشر سنوات تقريباً و آخرها الانقلاب الفاشل على اردوغان ، و كان بعد كل انقلاب تجري تغييرات في الدستور تزداد فاشيةً و عنصرية و طمس وإلغاء و منع و تجريم كل ما يتصل بالقومية الكوردية ، كما أن جميع الأحزاب التركية الى الان مازالت تعتمد على منهج اتاتورك في سياساتها .
و الغريب أن اليسار التركي أكثر فاشيةً، و يعتمد على الجماهير الكوردية الناقمة في تحريكه للشارع التركي دون الاهتمام بالقضية الكوردية مع مواجهة اي ظرف تساعد على تطوير القضية الكوردية .
كوردياً بدأ حزب العدالة والتنمية و الذي ارتبط اسمه باسم أردوغان بإجراء إصلاحات وتنمية البنية التحتية في كوردستان تركيا ( شمال كوردستان ) حيث تم تمديد شبكة طرق حديثة تضاهي شبكات طرق الدول المتقدمة و شبكات المياه والكهرباء و بناء مساكن عصرية حديثة و التي حرمت منها كوردستان تركيا عبر تاريخها فقد كان نصيب شمال كوردستان عبر تاريخ الجمهورية التركية الاتاتوركية الحرب و الدمار والإعتقال و التهجير و حرق القرى و المدن و الغابات في شمال كوردستان .
سياسياً في الخطوة الاخرى لحزب العدالة بدأ بالانفتاح الديمقراطي على الكورد وشجع الكورد و دعم تنظيماتهم وأحزابهم السياسية للدخول في المعركة الانتخابية حتى وصل الكورد الى مرحلة كسروا فيها حاجز العشرة بالمئة في الانتخابات البرلمانية لأول مرة في تاريخ تركيا عام 2015 .
كما بدأ حزب العدالة و التنمية بالتوازي مع كل هذا بطرح مشروع السلام و حل القضية الكوردية عبر مشروع متكامل بدءاً بفتح القنوات التلفزيونية والموافقة على التعليم باللغة الكوردية و الدعاية للغة الكوردية و التأكيد على شرعيتها حتى وصل الامر الى ان أعلن رئيس وزراء تركيا عام 2014 أحمد داوود أغلو في لقاء جماهيري في مدينة ديار بكر الكوردستانية قال انه ” سيتعلم الكوردية ” كلغة ثانية في البلاد .
وفي انتخابات عام 2015 و بعد نجاح حزب الشعوب الديمقراطية و كسره لأول مرة حاجز ال 10% . طلب حزب العدالة و التنمية من حزب الشعوب الديمقراطية الدخول في تحالف و تشكيل الحكومة و إتمام مشروع السلام مما تعني خطوة كبيرة جداً في طريق حل القضية الكوردية، لكن للاسف وبايعاز من إيران و من خلال ال PKK تم نسف عملية السلام و الدخول مع حزب العدالة و التنمية في حرب مفتوحة كان الخاسر الاكبر فيه الشعب الكوردي و قضيته، مما دفع حزب العدالة و التنمية و اردوغان التحالف مع حزب الحركة القومية MHP أكثر الأحزاب التركية فاشية و زج رئيس حزب الشعوب الديمقراطية و بعض قادته في السجون .
نعم وضع الكورد و شمال كوردستان و بعد انتصار اردوغان و حزب AKPفي الانتخابات الرئاسية الاخيرة و تحالف أردوغان وحزبه مع حزب الحركة القومية MHP أصبح اكثر صعوبة لان حزب الحركة القومية قضيته الاساسية حماية أسس اتاتورك للحمهورية التركية، و يبدو أنها تتعارض مع توجهات حزب العدالة و التنمية فقد جن جنون ال MHP عندما صرح أردوغان تأييده و رفضه للقسم الطلابي العنصري الذي يقول؛ ((أفتخر انني تركي )) حيث قال أردوغان “كما انني افتخر أنني تركي ، الكوردي يفتخر أنه كوردي ” . إذا كان هذا التصريح البسيط أحدث شرخا كبيرا في تحالف الحزبين، فكيف يمكن أن تحل القضايا الشائكة والمعقدة لتركيا كالقضية الكوردية .
أما ألآن و مع التغيرات التي تجري في المنطقة يبدو أن أولويات سياسة و مهمة حزب العدالة و التنمية قد تغيرت و لم يعد ما يسمى بعملية السلام الداخلي و حل القضية الكوردية ضمن استراتيجيته، كما أن ضعف الاصوات التي تدعو الى الحل أمام قوة القوى العنصرية التركية التي ترفض، و لا تقبل باي حل للقضية الكوردية و غياب الصوت و الدعم الكوردي و الاحزاب الكوردية ، وليس هذا فحسب بل أن وضع كوردستان تركيا يزداد تعقيداً نتيجة لسياسات ال PKK المدعوم ايرانياً و الذي ينفذ الاجندات الايرانية في تركيا و كل المنطقة و التي تتوافق مع مصالح الدولة التركية العميقة أيضاً .
في الحملة الجديدة للأنتخابات هناك تسابق في انكار حقوق الشعب الكوردي و أصبح محاربة الكورد و قضيته العنوان الابرز للتنافس، و كأن ليس لتركيا مشكلة إلا كيفية إلغاء وجود الشعب الكوردي و محاربة قضيته فأردوغان يقول في دعايته الانتخابية من يدعي أنه كوردي علية الذهاب الى شمال العراق و ترد عليه رئيسة حزب يميني جديد تشكل حديثاً في تركيا و تنافس العدالة و التنمية تقول في دعايتها الانتخابية أن شمال العراق أرض تركمانية .
بكل الأحوال تركيا الآن غارقة في مشاكل اقتصادية و أقليمية و دولية لذلك حزب العدالة و التنمية و أردوغان و كل القادة الاتراك أمام حل جملة من القضايا الملحة التي تحتاج الى حلول واقعية كالقضية الكوردية و عليهم أن يدركوا أن زمن إنكار حقوق الشعب الكوردي قد ولى و أن الحل ليس مع Pkk بل مع ممثلي شعب كوردستان . كما أن قضايا إقليمية ودولية كثيرة محيطة بحاجة الى حل . ولكن يبدو أن كل الامور تتجه نحو تعقيد اكثر و تمسك جميع الاطراف السياسية برؤيته التي تناقض رؤية الاطراف الاخرى .