أوربا الضحية بين الكفر والإيمان: أين الجلاد ؟ «على وقع تفجيرات باريس الإرهابية الأخيرة ؟!»

 ابراهيم محمود 
 التفجيرات التي تجتاح أوربا، وباريس خصوصاً،
ومن خلال رؤية الملعب الرياضي الذي هاج وماج على وقع التفجيرات، حيث تواجد الرئيس
الفرنسي وآخرين، وما في ذلك من دلالة لافتة، أحالت الكثير من المواطنين الأوربيين
وغيرهم ضحايا لها، وربما برسم الضحايا وهم إزاء الوجه الآخر من القمر المظلم البارد،
لكن أوربا هذه والتي ما تزال تشد على عصر أنوارها، عمر هذا العصر وأنوائيته، العصر
المتمثل في سياسات استعمارية من نوع آخر: كيف يمكن التلاعب بمصائر الشعوب والأمم،
والخلط غير المدقَّق بين الكفر والإيمان، ولهذا يكون السؤال المرسوم في أفق اليوم
وتاليه: أين الجلاد الفعلي ؟
أميركياً، سعت أميركا هذه جاهدة وهي في الخاتمة المزعومة للحرب الباردة في نهاية
سبعينيات القرن الماضي، إلى جعْل العالم عالمين: عالم الكفْر: حيث يكون السوفيت في
أفغانستان، وعالم الإيمان، وهي التي تمثله امتداداً للعالم الإسلامي، فكانت حرب
الجهاديين، وكان ابن لادن بدمغته الأميركية، وتحت الرعاية الأميركية بنوعيات جهادية
استساغت النهش فيها أيضاً.
وبظهور ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الإيرانية:
منعطف التاريخ الإسلامي المعاصر، كان على عالم الإسلام أن ينقسم تحت وطأة الرهانات
السياسية والدوغمائية للقوى العظمى، لتكون إيران ” راعية إرهاب “، أما أميركا فهي
نموذج ” الشيطان الأكبر “، ومع الزمن تكاثر الشياطين، واختلطت أوراق المؤمنين،
وتنامى الإرهاب الدولي المنظم وخلافه، الحدودي وخلافه، وربما اقتنع المسلمون بتأثير
من الرياح العاصفة التي تحرّك سفنهم ” الإيمانية ” بطابعها الجهادي، وفي نسبة كبيرة
منهم، أنهم سيبلغون بر الغاية المرجوة والانتصار على ” الكفرة، حتى داخل ” دار
الإسلام “، وليس في مقدور أي ولي أمر إسلامي مَوقعة الإسلام هذا .
وكان الإسلام
الذي يحمل هويات متقاتلة: صدامية، وسعودية، وإيرانية…الخ، وتلك المؤثرات من وراء
البحار، وخصوصاً بعد تفجيري مبنى التجارة العالمي 11 أيلول 2001، وليجري حصر
الإرهاب بميسمه الإسلامي في عالم الإسلام، وتزداد القلاقل وصور العنف ومرحلة جديدة
من العلاقات الدولية في نطاق ثنائية مستحدثة ما بعد عولمية: الكفر والإيمان، وقد
انخرطت في تغذيتها أميركا وأوربا، وبدا على الكرد، على خلفية من إسقاط نظام صدام
أنهم على وشك أن يحققوا حلماً قومياً لهم، بما أنهما ينتشرون في الرقعة الجغرافية
الأوسع دولياً في انتظار نزع الاعتراف بها كردستانياً، سوى أن الرهان ما زال
مستمراً، وعلى الإرهاب أن ينوّع في مشاهده، على الضحايا أن يزدادوا في رقع مختلفة
في العالم، بقدر ما أنه يجب أن يكون هناك تنوع في بروز جلادين ولو مموهين هنا
وهناك، حتى أبعد من حدود دار الإسلام .
وعلى خلفية من انفجار الأحداث المروعة في
” الشرق الأوسط “، في الدول الأكثر قابلية لتمثل هذه التشكيلة المرعبة من العنف
الدموي والاستئصالي لبشر بالملايين، والاستثماري لوجدانات بشر بالملايين، وتحويل
بشر بالملايين إلى جهاديين ونقيضهم وتحت أسماء ومسميات ” جهادية، فقد فيها الزمان
نفسه وجهته قياساً إلى اعتبارات متداولة، بحيث أصبحت أوربا وأبعد منها الملاذ الآمن
والمزعوم لمئات الألوف لبشر هاربين بجلودهم، إزاء بشر تكتوي جلودهم، مع بشر فقدوا
وجوههم بالملايين وأنظمة حشِرت في اللعبة الجهنمية الأكبر منها وفي نشوة السلطويات
المتطاحنة، ودفاعاً آخر عن حق إلهي ما بعد حداثي، والضحايا في ازددياد، حتى  لو
أنهم أحياء، حتى لو أنهم بلغوا أوربا، لأن الضحية لا تعني مجرد إزهاق روح حصراً
..
في حروب خارج حدودية، وفي اتفاقات متعدية الحدود، بين دول لها أسماؤها وأخرى
بينية، ومؤتمرات وندوات ويافطات معارضة وحروب دموية على الأرض، ومبعوثي الأمم
المتحدة وتصريحات ممثلي دول كبرى، ومشاورات، وحوارات وأخبار …الخ، سوى أن المؤكد
هو المزيد من الاحتقانات وسفك الدماء..ولتشهد أوربا المرحلة التي ربما لم تحسب لها
حساباً، وهي تفكّر كما تخطط في اتجاه واحد عبر رعاية معينة لمؤمنين على طريقتها
داخلها وخارجها، واللعب بالمصائر ولتكون الفوضى ذات مردود كارثي، على خلفية هذه
التصريحات والمناوشات الكلامية أبعد من الحرب على الإرهاب وعلى داعش، الذي قد يكتسح
أوربا تالياً، كما لو أن الجاري غير مرئي، أي ليكون ثمة جلادون داخلها وضحايا
داخلها، وليكون التبلبل على صعيد عالمي، كما لو أننا نشهد أكثر من انفجار برج
بابلي، وهو يحمل أكثر من إمضاءة أوربية، وللكرد نصيبهم من الضحايا كما في هجرات
جماعية : عائلية وشبابية، ليشهدوا نوعاً من الانتحار الكارثي والمحسوس في قواهم
الشبابية بصورة لافتة بحيث لم يعد في المستطاع الفصل بين المؤمن والكافر حتى في
دار” الكرد ” على خلفية الانقسامات، ولتكون أوربا الحضارة والأنوار وفي الحروب
المعلنة، حروب القوى اللامرئية والفضائية والخفية وغيرها على بشر يبحثون عن أمان
نسبي عاجزين حتى عن تأمين الحد الأدنى من الاستقرار في موطنهم، وربما جرّاء هذه
التناقضات المتراكمة وغير المحتسبة كما هو الفيروس المباغت أحياناً، ستشهد أوربا
ميتات هندسية وانفجارات تتهددها في عقر دارها، قد تكلفها خسائر لا تعوَّض في المدى
المنظور، ربما مقابل بعض من سخرية الأقدار التي أزيحت من اللوحة الهندسية الأوربية
منذ عقود طويلة من الزمن، سخرية تتمثل في نوع من الانتقام لبشر وغير بشر أُزهقت
أرواحهم بالملايين، ودمرت جغرافيات بمئات الآلاف من الكيلومترات، وسممت أمواه،
وأحرقت غابات، انتقام يسائل أوربا فيما جنته أيديها، وما ستواجهه من رعب، ربما
يسمّي حتى أجندة أوربية فيها أباً عن جد، بحيث لا يعود في مقدورها ضبط الخراب
القياماتي طويلاً، مثلما هو الخلط المريع والرهيب بين الكفر بالإيمان، وتداخل كل من
الضحية والجلاد..ولعل التفجيرات السداسية بطبعتها الباريسية موقعاً، وفي مبتدأ عطلة
الأسبوع المعتبرة ليوم 14 تشرين الثاني 2015، نذير شؤم يتوعد جهات أخرى وأخرى
بالويل والثبور..
دهوك ليل 14 تشرين الثاني 2015 
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…