في راهنية المشهد السوري

صلاح بدرالدين
 
   مع
اقتراب الثورة السورية لملامسة عتبة العام الخامس يضع المشهد الوطني العام أمام
ناظرينا حصيلة تطورين مهمين : الأول حصول المزيد من الفرز الفكري – السياسي بين
نخب الأوساط المعارضة فبعد الاقبال الشديد منذ نهاية العام الأول للانتفاضة
الثورية من جانب مختلف الفئات الاجتماعية والتيارات السياسية ( الإسلامية والقومية
واليسارية والليبرالية ) والتزاحم في نيل مواقع المسؤولية والمبالغة اللفظية في
الالتزام بأهداف الثورة المتجسدة في ( اسقاط نظام الاستبداد وتفكيك سلطته وإعادة
بناء سوريا الجديدة ) نراها اليوم تسلك منحا آخر وتعلن الطلاق بثلاث عن كل شيء
اسمه ” الثورة ” وتنأى بنفسها عن كل التزام تجاه أهداف كانت تتغنى بها
حتى الأمس القريب ولكن بطريقة ملتوية باسم السلام ووقف العنف ومواجهة الإرهاب
والمصالحة وبنفس الدرجة من السرعة لدى وفادها تغادر .
  أما التطور الآخر فهو الوتيرة العالية من سيولة
– المؤتمرات واللقاءات – التي عقدت في كل من ( سويسرا واسبانيا والقاهرة وموسكو
والسويد ومازال الحبل على الجرار ) وفي طرح الخطط والمشاريع تحت عناوين الخلاص
والإنقاذ وللوهلة الأولى ومن حيث المبدأ لايجوزلأي عاقل التعامل مع مظاهر الحوار
والنقاش ومناقشة الآراء حول ملفات عالقة معقدة الا بعين التقدير والتشجيع والرضا كظاهرة
صحية في الحياة السياسية ولكن الأمر يختلف بخصوص القضية السورية وفي راهنيتها
الحالية المشخصة لأن مايجري ( وبغض النظر عن النوايا الحسنة للبعض القليل ) ليس
الا نتاج الانحراف عن خط الثورة والانقلاب على أهدافها والكفر بيوم ميلادها وبدلا
من استثمار الوقت والمال والجهد من أجل البحث عن سبل صيانة الثورة وتطوير أدواتها
وتوحيد صفوفها ودعم صمود الثوار بالامكانيات المحرومين منها تجري المحاولات
للإعلان عن وفاة الثورة وتحسين شروط النظام وتجميل صورته والتحاور معه وقبوله طرفا
مساويا وندا في التصالح السوري – السوري والحفاظ على مؤسساته من السقوط بذريعة
الحفاظ على وحدة الدولة والمجتمع .
 

  لقد تابعت بدقة كل المشاريع والخطط و”
خارطات ” طريق وتمعنت في طبيعة المشاركين فردا فردا وتوصلت الى نتيجة بأن الجامع المشترك للكل باختلاف الوسائل
والأساليب والعبارات والبيانات والتصريحات الإعلامية الفضفاضة والشخوص والعواصم
الخارجية التي ينطلقون منها هو التوصل الى قناعة ضمنية من دون اعلان أن لاجدوى من
الثورة ويجب العودة الى أحضان النظام السياسي القائم وأن ربيع الثورات كان وهما وأن
السبيل الوحيد هو التفاهم مع النظام بشروطه أي ببقاء مؤسساته ورموزه وقاعدته
الاقتصادية والاجتماعية وتمرير جملة من الأضاليل من بينها أن الهدف من شعار صيانة
الدولة لايراد به الحفاظ على النظام في حين أن الواقع يكذب مطلقيه اذا علمنا أن
تعريف الدولة العلمي هو : ثلاثية الشعب والأرض والسلطة وشعار اسقاط النظام الذي
رفعته الثورة لايستهدف تغيير الشعب والأرض بطبيعة الحال بل النظام السياسي وسلطته
ورموزه ومؤسساته . 

 
  يقولون أن الحل العسكري غير مجد بل مستحيل
للقضية السورية ونقول وهل دعا الثوار الى غير ذلك ؟ وهل الانتفاضة الثورية التي قامت سلمية كانت تدعو الى الحرب
والدمار أم كانت دفاعية مقاومة ؟ يقولون أن الأولوية للسلم الأهلي والمجتمعي عبر
المصالحة مع نظام القتل والاستبداد ويقول الثوار أن السلام المضمون الناجز لن
يتحقق الا عبر اسقاط النظام ويقولون أن مواجهة الإرهاب الداعشي وأخواتها بالتعاون
مع النظام من أولى المهام ويقول الثوار نعم يجب استئصال الإرهاب من مصادره وجذوره المتمثلة
في إرهاب الدولة وكافة فصائل وجماعات الإسلام السياسي الإرهابية وعلى رأسها – داعش
– والقاعدة – . 
 السؤال المطروح الآن على كل الوطنيين السوريين الحريصين
على ثورتهم كحل ومنهج وطريق خلاص هو كيف يمكن استثمار
الوضع الناشئ الآن على الصعيدين الإقليمي والدولي والتحالف لمحاربة الإرهاب بما في
ذلك التحضيرات للمواجهة البرية في العراق وصولا الى سورية كخطوة لاحقة والتي تشير كلها
الى إمكانية الحاق الهزيمة  العسكرية – بداعش
– بالعمل على تحقيق الانتصار السياسي أيضا والذي يتطلب العودة الى فكرة ( القيادة السياسية
– العسكرية المشتركة ) للجيش الحر والحراك الوطني الثوري العام من مسلمة أن العلة ليست
بقيام الثورة السورية بل في إدارة – المعارضة – الفاشلة والعمل على تحقيق النواة الصلبة
المستندة الى عنصري ( الوطنية السورية الجامعة – واستقلالية القرار ) ووضع خطة عمل
تنظيمية وبرنامج سياسي بمافي ذلك احياء مشروع ( المنطقة الآمنة ) على طول وعرض الحدود
المشتركة مع تركيا والأردن والعراق ولبنان وايلاء الأهمية القصوى بالوقت الراهن للحدود
الشمالية بمفاتحة الحكومة التركية بالتراجع عن بعض شروطها وممارساتها السابقة وفي المقدمة
الكف عن اعتبار الاخوان السورييين بديلا ومنطلقا والتوقف عن ابداء الحساسية
المفرطة تجاه الكرد السوريين واخماد التطلعات التوسعية في تحقيق ( كونفدرالية إسلامية
شرق أوسطية وسوريا من ضمنها ) ومن ثم وتاليا التركيز على الحدود الجنوبية والتماشي
بإيجابية مع الدور الأردني المستجد  الواعد
في القضية السورية .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف* بعد انتهاء حقبة بيت الأسد، تلوح في الأفق تحديات جديدة، حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة انتقادات وأسئلة مشروعة من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين، حول مدى التزامها بالشفافية في منح المشاريع والمناقصات، في وقت تنتظر فيه البلاد إعادة الإعمار والانطلاق نحو المستقبل. يبدو أن غياب الإعلان الرسمي عن بعض المناقصات والمشاريع، وتوجيهها بطرق غير واضحة، يُثير مخاوف…

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…