عندما يستهتر بعض المعارضات بقيم الثورة

صلاح بدرالدين

  لاحاجة لتخصيب الذاكرة مجددا والعودة أربعة أعوام زمنية نحو الوراء للتذكير ببروز المعلم البنوي الأول لجنين الثورة المضادة لدى قيام – المجلس الوطني السوري – بسيطرة وتحكم جماعة الاخوان السورية تحت مسمى المعارضة بعد ثمانية أشهر من اندلاع الانتفاضة الثورية من خلال تلاقي الحراك الوطني الثوري العام وفي القلب منه تنسيقيات الشباب مع ضباط وأفراد الجيش الحر الذين انحازوا الى صف الشعب مبكرا ولاحاجة أيضا الى سرد تفاصيل ظهور وتنامي وتعدد الأسماء والأطراف والكتل المعارضة ! التي تكاثرت مثل الفطر السام في الداخل والخارج وبين مختلف المكونات والأقوام والأديان والمذاهب بما فيها الكرد والتي انبثقت وللأسف اما من الأحزاب التقليدية الفاشلة الإسلامية والقومية واليسارية التي أفرزتها مراحل التراجع والانحطاط أو الجماعات والكتل والشخوص التي غادرت صفوف السلطة الأمنية والإدارية وامبراطورية آل مخلوف المالية حاملة معها ثقافة وخطاب الحزب الحاكم والنظام الفئوي المستبد المناقضان لنهج الثورة والتغيير .
  لقد عملت هذه المعارضات منذ اليوم الأول لظهورها ( مجالس وهيئات وائتلافات وكتل وتيارات ومجموعات ) من وراء ظهر الثوار وعقد بعضها الاتفاقيات السرية والعلنية مع أوساط الأجهزة الأمنية – المخابراتية في النظام الحاكم وبعضها الآخر مع النظام العربي والإقليمي الرسمي ومع مجموعة دول على المستوى الخارجي وتلقت المبالغ الخيالية من الأموال والمساعدات باسم النازحين والمقاتلين والمهجرين ولم نسمع أن طرفا منها قدم كشوفات الاستلام والصرف وقد كانت من نتائج ذلك الأداء الخاطىء وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية والاستهتار بالقيم والمبادئ واخفاء الحقيقة عن الشعب والثوار والغلو في التضليل الإعلامي أن تقهقرت الثورة وتفرقت صفوف تشكيلات الجيش الحر وانكفأالحراك الوطني الثوري العام وأغرقت المناطق المحررة بجماعات الإسلام السياسي الإرهابية والقوى الظلامية ومسلحي الشبيحة وسلطات الأمر الواقع وأن غادرت أفواج من ناشطي المظاهرات الاحتجاجية والمناضلين من الذين وقعوا بين نار النظام وأعوانه من جهة وغدر وتجاهل المعارضات بهم ولهم من الجانب الآخر باتجاه الجوار والأبعد وخاصة من الجيل الشاب حيث شكل ذلك نجاحا باهرا لمخططات النظام وأعوانه وعاملا آخر في تمادي المعارضات بتخلصها من مئات آلاف الوطنيين الصادقين واستئثار الانتهازيين والفاسدين بمقدرات الساحة .
  لأن المعارضات بكل أطيافها افتقرت منذ البداية الى التنظيم الديموقراطي والعمل المؤسساتي الجماعي والبرنامج السياسي فقد ارتبطت بأفراد وأسماء تتميز بمواصفات معينة خاصة مثل سرعة التلون والاتقان في تبديل الولاءات لهذه العاصمة وتلك واستسهال تأمين مصادر المال واخفائه لمصلحة ذاتية في أكثر الأحوال والانتهازية المفرطة والخبرة الطويلة في معرفة ( من أين يؤكل الكتف ) وحفظ قواعد اللعب على الآخر عن ظهر قلب وقد أفرزت الساحة السورية في هذا المجال  نماذج فاقت كل المواصفات النشاز المعروفة على الصعيد العالمي .  
  لقد اكتشفنا نحن معشر الوطنيين المستقلين المؤمنين بثورتنا وقضية شعبنا السوري وفي معرض الأسابيع الثلاثة الماضية فقط وتحديدا خلال الأخذ والرد والتحضير لاجتماعي القاهرة وموسكو أن بين ظهراني المعارضة ومتزعميها نفر ليس بالقليل من وكلاء النظام يمتهنون الدجل والنفاق ويتسابقون في تقديم الولاءات على حساب شعبنا وقضاياه المصيرية واذا كنا نترفع عن تسمية هؤلاء فهم باتوا معروفون لدى القاصي والداني .
  أحدهم من الذين طبلوا طويلا للاجتماعين وشارك في الأول وتشجع وشجع الآخرين لحضور الثاني يقول وبعد أربعة أعوام من وقوف روسيا الى جانب النظام عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا وأمنيا أنها ليست محايدة ! فيا للاكتشاف العظيم ! وآخر شارك حتى الثمالة ويقول أنه قدم وثائق لموسكو ولم يؤخذ بها ! وثالث شارك ويزعم أنه حصل سوء فهم ! ورابع له في كل عرس قرص ودعا الى المشاركة ولكنه امتنع بعد أن شعر أنه سيكون في أطراف الصف الثاني من الاجتماع ! جميع هؤلاء وغيرهم كانوا على صلة وثيقة بكل مشروع يستهدف الثورة ان كان من جانب الأسد أو طهران أو روسيا .
  هناك داخل المعارضات مايقارب الخمسين نفرا من رؤوس المسيئين أرباب النفاق والشقاق امتدادات النظام ورسل الشر المتعاونين مع الدوائر الإيرانية والروسية المستفيدين من هذه الأوضاع غير السوية والسؤال الأكثر الحاحا : هل بمقدور الشرفاء إزاحة أولئك ؟ ألا تتطلب الحالة اجراء سريعا تمهيديا مثل تشكيل ( هيئة وطنية مستقلة ) لتشخيص ومساءلة وفضح أولئك الذين يتعاملون مع القضية السورية وكأنها مزرعتهم الخاصة قبل المعالجة الجذرية المنشودة بعقد مؤتمر وطني عام واختيار قيادة سياسية – عسكرية مشتركة انقاذية التي طال ما ندعو الى ذلك مع النخب الوطنية الأخرى .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…