سوريا بين لونين: كيف غيّر كونفرانس وحدة الموقف قواعد اللعبة؟

المحامي حسن برو
ليس من المبالغة القول إن ما جرى في شمال وشرق سوريا مع انعقاد كونفرانس وحدة الموقف في الحسكة كان حدثًا سياسيًا استثنائيًا، ومحطة مفصلية في المشهد الوطني السوري.
اللقاء الذي جمع أحزابًا كردية وعربية وسريانيه وممثلين عن مختلف المكوّنات القومية والدينية والاجتماعية، تجاوز القوالب التقليدية للمؤتمرات السياسية، وقدم رؤية جديدة قائمة على التنوّع والتشاركية كخيار وطني بديل عن الاصطفاف خلف لون واحد أو صوت واحد، وهو اللون الذي فُرض لعقود طويلة في ظل حكم الأسدين.
-كوانفرانس ما بعد المؤتمرات أحادية اللون والجانب …
انعقاد هذا الكونفرانس جاء في توقيت بالغ الحساسية، بعد أشهر من مؤتمرات أحادية التمثيل، أبرزها مؤتمر النصر ومؤتمر الحوار الوطني، مرورًا بالإعلان الدستوري ولجان اختيار مجلس الأخير الذي أعاد إنتاج عقلية الإقصاء عبر حصر منصب الرئاسة بالمسلم السني ومنح الرئيس صلاحيات شبه مطلقة.
تلك الخطوة، التي وُصفت على نطاق واسع بأنها نكوص سياسي، أكدت أن بعض القوى لا تزال ترى في التنوع السوري تهديدًا لا ثروة، متجاهلة أن الوحدة الحقيقية تُبنى على قبول الاختلاف لا إقصائه.
-تحوّل في الرهانات السياسية
قبل هذا المنعطف، كان كثير من الفاعلين السياسيين يراهنون على حكومة دمشق، متأثرين بقبولها الجزئي لدى بعض دول الجوار، وبالكاريزما البراغماتية لرئيسها أحمد الشرع، إلى جانب الانفتاح العربي والدولي عليه ورفع العقوبات عنه بمساعٍ خليجية.
لكن سلسلة من الانتهاكات والجرائم، التي طالت مختلف المكوّنات، أسقطت تلك الرهانات. المجازر في الساحل بحق الطائفة العلوية بما فيها النساء والأطفال، تفجير كنيسة مار إلياس في الدويلعة، الهجمات على السويداء وما رافقها من قتل وخطف، وصولًا إلى أنباء عن أسواق للسبايا وحتى التضييق على المسلمين السنة المعتدلين—كلها كانت وقائع صارخة.
هذه الأفعال لم توحد السوريين حول النظام أو أي بديل طائفي، بل رسخت قناعة متزايدة بأن أي مشروع وطني يجب أن يحمي الجميع دون استثناء.
-إشارات الوحدة من قلب التنوع
تأييد الشيخ حكمت الهجري وشيخ المرجعية العلوية غزال الغزال لانعقاد الكونفرانس، ولو عبر الاتصال المرئي، لم يكن مجاملة بروتوكولية، بل رسالة سياسية بأن اللحظة تتطلب تجاوز الانقسامات والبحث عن قواسم مشتركة.
كما أن الحضور الوازن للعشائر، ورفضهم لخطابات الكراهية و”الفزعات” القبلية، عكس أن المجتمع الأهلي نفسه بات يتوق إلى صيغة سياسية تتسع للجميع، وتعيد الطمأنينة، وتفتح آفاق البناء وعودة المهجرين إلى ديارهم.
-الرسالة إلى الداخل والخارج
النتيجة كانت واضحة: التنوع السوري ليس عائقًا أمام الوحدة الوطنية، بل هو ضمانتها الحقيقية. ومن شمال وشرق سوريا، انطلقت رسالة قوية للعالم وللسوريين: بعد أربعة عشر عامًا من الحرب والقهر والتشريد، لن تُحكم سوريا بعقلية اللون الواحد أو الإقصاء.
أي مشروع مستقبلي إما أن يكون جامعًا لكل السوريين، أو لن يكون على الإطلاق.
اي ان الكونفرانس الحسكة لم يكن مجرد اجتماع سياسي، بل إعلان ولادة لمرحلة جديدة تُكتب فيها قواعد اللعبة الوطنية من جديد، على أسس المساواة والتعددية والشراكة. إنها بداية مسار قد يكون طويلاً وشاقًا، لكنه وحده الكفيل بإنهاء دورة الاستبداد وإطلاق سوريا نحو مستقبل يليق به كدولة مدنية عصرية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…