إعادة التفكير في الخيارات السياسية الكردية: ضرورة أم مغامرة؟

صديق شرنخي

في أعقاب مؤتمر قامشلو المنعقد بتاريخ 26 نيسان 2025، شكّل الوفد الكردي السوري المنبثق عنه بارقة أمل نحو توحيد الصف وبناء مسار سياسي جامع يعبّر عن تطلعات شعبنا في سوريا. إلا أن التأخر في تحرك هذا الوفد، وما تبعه من غياب الدعم الفعلي من قبل الإدارة الذاتية وكذلك الحلفاء في الاقليم ، يفرض علينا اليوم مراجعة شاملة وعميقة للخيارات المتاحة أمامنا.
لقد أثبتت تجارب العقود الماضية أن الاعتماد الحصري على البنية الداخلية، دون تفعيل الأبعاد الإقليمية والدولية، قد يؤدي إلى العزلة أو إلى فقدان فرص استراتيجية كان من الممكن البناء عليها. وهنا، نذكّر ببعض التجارب المماثلة في السياق الكردي والشرق أوسطي:

إقليم كردستان العراق (1991–2003):
بعد الانتفاضة الشعبية في 1991، لم يكن بوسع القوى الكردية العراقية تأمين الحد الأدنى من الحكم الذاتي دون الغطاء الدولي الذي وفّرته “منطقة الحظر الجوي” التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا. هذه التجربة برهنت أن التواصل المباشر مع القوى الدولية الفاعلة يمكن أن يصنع فارقًا نوعيًا في مستقبل القضية الكردية.

وكذلك التجربة الفلسطينيين في التسعينيات:
بعد عقود من العمل السياسي والعسكري، شكّلت اتفاقيات أوسلو تحوّلاً أساسياً في شكل العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والغرب. رغم ما واجهته التجربة من إخفاقات، إلا أن حضور الفلسطينيين في المحافل الدولية لم يكن ليتحقق لولا الانفتاح السياسي على الغرب، وإن بشكل جدلي ومعقد.

وقياسا على ذلك العلاقات الكوردية – الإسرائيلية:
منذ الستينيات، حيث لم تكن الاتصالات السرية بين الحركة الكردية في العراق وإسرائيل محض مغامرة سياسية، بل جاءت ضمن استراتيجيات مدروسة لاستثمار العداء المشترك لإسرائيل مع الأنظمة المركزية المعادية للكرد، خصوصًا بغداد في عهد البعث. هذه العلاقات، رغم حساسيتها، ساعدت في توفير دعم استخباراتي وسياسي كان له أثره في مراحل حاسمة.
ومايمكن استخلاصه
التجارب السابقة تُظهر بوضوح أن الانفتاح السياسي لا يعني التخلي عن المبادئ، بل يمثل وسيلة لاقتناص الفرص في لحظات الانسداد. وفي حالتنا السورية، فإن الجمود الداخلي والتشتت السياسي يفرضان مقاربة جديدة، تقوم على:
تنشيط الدبلوماسية غير الرسمية (Backdoor Diplomacy) مع القوى الغربية المؤثرة.
تطوير خطاب سياسي ناضج قادر على مخاطبة الخارج بلغة المصالح المشتركة.
الاستفادة من التوازنات الإقليمية دون الانزلاق في محاور معادية لطموحات شعبنا.
اذا إن اعتماد نهج جديد يتجاوز منطق الانتظار وردّ الفعل، نحو مبادرة سياسية منفتحة ومسؤولة، بات ضرورة ملحّة أمام الحركة السياسية الكوردية.
وإن بناء جسور تواصل مدروسة مع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، وإسرائيل، ليس دعوة للتبعية، بل محاولة لإعادة التموضع في مشهد سياسي معقّد، لا يعترف إلا بمن يمتلك القدرة على المبادرة، والبصيرة في اختيار اللحظة المناسبة.
فلنعد رسم اتجاه البوصلة، قبل أن يُرسم مصيرنا بالنيابة عنا.

7 آب 2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…