مناقشة (الرأي الاخر) حول الذكرى الستين للكونفرانس الخامس

صلاح بدرالدين

استحوذ مانشرته قبل يومين – ستون عاما على الكونفرانس الخامس عام ١٩٦٥ – في موقع – ولاتي مة – والمواقع الأخرى وانطلاقة اليسار القومي الديموقراطي الكردي السوري، وماتفرع عنه من استذكار المشاركين بالحدث، والذين مازالوا أوفياء لتعاليم ، وقيم اول تحول جذري في نهج الحركة الكردية السورية في المجالات الفكرية، والسياسية ، والتنظيمية ، والثقافية ، على اهتمام لافت من جانب الأوساط الواسعة من الوطنيين ، والمناضلين السياسيين، ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي ، وبفضل التطور العلمي التقني استطعنا تثبيت تفاعل نحو ٥٥٠٠٠ (خمسة وخمسون الفا) مع هذا الحدث خلال – ٢٤ – ساعة فقط والعدد بازدياد، وهذا ان دل على شيئ – كما كتب رفيق الدرب – احمد بافي شيرين –  – فانه يدل على مدى احترام نتائج تحولات  الخامس من آب والتجربة برمتها في تاريخ الحركة، والحاجة الماسة الى إعادة بناء الحركة الكردية على أسس ديموقراطية جديدة لملئ الفراغ الناشئ الان في ساحتنا، بعملية شبيهة بكونفراس آب وبخصوصيات هذه المرحلة، ومن خلال أدوات ديموقراطية مثل المؤتمر الكردي السوري الجامع .

  لست الان بمعرض إعادة وتكرار المواقف الإيجابية من تلك التجربة الصادرة من الغالبية الساحقة من المتداخلين ، المتفاعلين، ولكن أرى من المفيد والمناسب الالتفات الى – الرأي الاخر – الذي اعتبر البعض منه جادا يستحق النقاش، وحتى الاصوات القليلة – العشوائية –  ولو انها كانت – خافتة – يجب تناولها التزاما بمبدأ النقد والنقد الذاتي .

  ١ –  الملاحظة الجادة الأولى تدور حول ماكتبه احد الاخوة ” رغم قوته الرمزية، فإن الكونفراس لم ينعقد نتيجة ديناميكيات جماهيرية واسعة، بل نتيجة صراع داخل النخبة الحزبية آنذاك. لم يكن التأسيس انبثاقاً طبيعياً لحركة اجتماعية واسعة، بل كان إلى حد بعيد رد فعل على نزاعات داخلية في الحزب الأم، واختلافات في التوجه الإيديولوجي والسياسي …” .

  بداية وكما أرى فان عملية عقد الكونفرانس الخامس انطلقت من الخاص الكردي متأثرا بالعام الوطني ، والمحيط الكردستاني، في الأول : حزب كردي وبعد تجربة الاعتقالات ينهار، ويتراجع ، تنهشه التكتلات، ويصبح فريسة للاتجاه اليميني الهادف الى افراغ الحزب من مضمونه القومي والثوري، وكان لابد من عمل انقاذي سريع، اعتمد القاعدة الحزبية أولا وأخيرا ، وباعتبار خصوصية الحزب القومية وازمته الداخلية، ومحدودية مجال تحركه الجغرافي ، وانعدام وجود حتى نواة – المجتمع المدني – في بيئته، فمن تحصيل حاصل غياب أي نشاط اجتماعي ضاغط من خارج الحركة، ثم ان الإنقاذ تركز في الجانب النظري المدروس على إعادة تعريف الكرد، والقضية، والحزب، والحركة بجوانبها المختلفة، وطبيعة الصراع ، واولوية المهام، وحتى نعرف الحدود فلم يكن الحزب  قانوني وكان ملاحقا ، ولم يكن حزبا حاكما في مناطقه، حتى ان البعض كان يعتبر ان الكرد كشعب قيد التشكل .

  في تلك المرحلة كانت الحركة السياسية في سوريا تعيش في مايشبه المخاض ، وتشهد صراعات طبقية في المجتمع مما انعكست على مسار الأحزاب في المواجهات الفكرية بين اليمين واليسار بما فيها الأحزاب القومية ، والناصرية، والبعثية، ولاشك ان الحركة الكردية حينها لم تكن بعيدة عن تاثيرات ذلك المناخ .

  اما المركز الفاعل للحركة الكردستانية واقصد كردستان العراق فقد شهد في تلك المرحلة سجالات ومواجهات ، وانقسامات ذات طابع فكري – سياسي ، وتدخلات إقليمية معادية ، ولم تكن ساحتنا القريبة والمتداخلة مع ذلك المركز بمعزل عن تاثيرات ماكان يجري هناك .

  ٢ – متابعة لاحد الاخوة في مداخلته (رد على تساؤلات) ، أقول   اليسار الكردي المتمثل في مشاركي الكونفرانس الخامس لم يكن فصيلا شيوعيا ، ولم يكن أي واحد منهم منتميا الى الحزب الشيوعي السوري ، بل كانوا من أعضاء وكوادر الحزب الديموقراطي الكردي ، وكانوا ضمن اطار حركة قومية ولم تكن من مهامهم – تعميق الفرز الطبقي – في الساحة الكردية ، فالطبقات الاجتماعية المتباينة كانت قبل انبثاق اليسار ، واستمرت من بعد ذلك ، وستستمر الى الابد ، قضايا الخلاف كانت ضمن – البيت الكردي – وبالاصح بالحركة الكردية وبشكل اخص ضمن صفوف الحزب ، ولكن من المؤكد لم تكن تلك القضايا الخلافية بمعزل عن التاثيرات المحيطة (الاجتماعية – الوطنية – الكردستانية – العالمية) ، وكان اليسار يؤمن بضرورة احترام خصوصية المرحلة التي يمر بها الكرد والتي تقضي باتحاد وتعاون الجميع لرفع الاضطهاد ، وانتزاع الحقوق ومن اجل ذلك طرح مشروع (الجبهة الوطنية الكردية السورية) التي تضم كل الطبقات ، والفئات ، والتيارات السياسية ،

 اما من حيث الاصطفافات ففي ذلك الوقت ( قبل ستين عاما ) وفي عصر الحرب الباردة ، كان الاعتقاد السائد ان هناك خندقان ثوري وامبريالي : الأول خندق المعسكر الاشتراكي ، والطبقة العاملة في البلدان الراسمالية ، وحركات التحرر الوطني ، والثاني أمريكا والغرب ، بالنسبة لليسار الكردي آنذاك كان يعتبر نفسه اقرب الى المعسكر الأول ، ويسعى لايصال قضيته الى المعسكرين والدليل نسجه لعلاقات سياسية مع الدول الاشتراكية ، وحركات التحرر العربية ، وكذلك التواصل مع الغرب ، فقد قمت حينها بثلاث زيارات الى واشنطن وتباحثت مع الخارجية ، والكونغرس بمساعدة أصدقاء من الكرد المقيمين هناك ، كما قامت تنظيمات الحزب بالخارج بالتواصل مع دول أوروبا الغربية .

  تجربة اليسار الكردي السوري منذ الكونفرانس الخامس تثبت ان الحركة الكردية بامس الحاجة الى تكريس التعددية الفكرية ، والسياسية ، والتنافس السلمي لخدمة القضية ، وقبول الاخر المختلف ، وهذا هو طريق التقدم والانتصار .

  ٣ –   ملاحظات أخرى اعتبرها مبنية على المعلومة الخاطئة  غير مبنية على أسس مبدئية ، وبالرغم من ذلك من المفيد الإحاطة بها ، مثلا كقول احدهم ” ان كونفراس الخامس من اب وانبثاق اليسار كانا لاسباب شخصية ” متناسيا ان الخلاف كان حول وجود حزب ثوري مناضل ام جمعية ثقافية ، وحول فكر ومضمون وسياسة الحزب حول هل الكرد شعب ام اقلية ؟ ومسالة حق تقرير المصير الكردي في اطار سوريا ديموقراطية ، وموقع الحركة الكردية الى جانب الحركة الديموقراطية السورية ام الى جانب نظام البعث الاستبدادي ؟ ، والموقف القومي بخصوص ثورة أيلول والقيادة الشرعية للزعيم الراحل مصطفى بارزاني ، فاين العوامل الشخصية في كل ذلك ؟  .

  ومن ضمنها قول احدهم : ” الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي نادى بتحرير وتوحيد كردستان تعرض للانشقاق ، وحصل انقلاب على ثلاثة اهداف الأول – اسم الحزب والثاني شعار الحزب والثالث نسف العلاقة مع قيادة الثورة الكردية بقيادة البارزاني ..” ، والاجابة السريعة هي : عندما انعقد كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥ كان امتدادا للكونفرانس الرابع عام ١٩٦٤ الذي حاول حل الازمة واخفق ، فقط قرر تجميد المرحوم حميد درويش لمحاولته المس بنهج الحزب ، وكلاهما كانا من اجل الإنقاذ ، وكان اسم الحزب – الحزب الديموقراطي الكردي لان الاسم السابق دام ثلاثة أعوام فقط ، ولم يكن بند (تحرير وتوحيد كردستان) موجودا في المنهاج حينذاك ، وبالعكس تماما تبنى الكونفرانس مبدأ تقرير المصير ، كما حسم الموقف تجاه ثورة أيلول والزعيم الراحل البارزاني ، وتوجه وفد من قيادة الحزب الى كردستان العراق – المنطقة المحررة عام ١٩٦٧ وكنت بعداده والتقينا بالبارزاني ووضعنا الأساس لعلاقات مستقبلية متينة ، اما اسم الحزب فلم نبدله الا بعد أعوام ، فقط أضاف الكونفرانس اليه عبارة (اليساري) المقوسة  للتميز من حزب اليمين المنشق ، اما مقارنته ماجرى بانشقاق عام ١٩٦٦ بكردستان العراق فامر يدعو الى الاستغراب فهؤلاء انشقوا عن الثورة بدعم النظام العراقي والإيراني ، وماحصل عندنا ان الكونفرانس رفع شعار اسقاط نظام البعث بخلاف اليمين الذي كان في الموالاة دائما ،  وظل الحزب معارضا وبسبب ذلك حاربه النظام وارسل – محمد منصورة – الى القامشلي  لتصفيته والقصة معروفة .

  فعلا من الغرابة بمكان ان يعاتب البعض من موالي ( سلطة الامر الواقع ) الراهنة اتباع مدرسة آب الذين ضحوا وبدؤوا من الصفر ، وانجزوا مهام إعادة تعريف قضيتهم ، وعانوا الامرين خلال خمسين عاما من العوز ، ومن ظروفهم الأمنية الصعبة ، من ملاحقات ، وقمع ، واعتقالات ، وتجريد من الحقوق المدنية والمواطنة ، والسبب  لانهم لم يحققوا بناء حركة كردية يسارية واسعة !!!!، ويتناسون ان مرجعية – سلطتهم – الذي كان باحضان عائلة ونظام الأسد واجه بكل قواه نهج اليسار ، واصبح طرفا الى جانب نظام الاستبداد ، ثم يتناسون أيضا ان – سلطتهم – ومنذ أربعة عشر عاما بعسكرها واموالها ووارداتها من المبالغ الخيالية ، ماذا عملت من اجل توحيد الحركة ؟ وفي سبيل انبثاق حركة يسارية موحدة ؟ والامر نفسه يسري على أحزاب (المجلس الكردي) الذي يتلقى الدعم السخي من إقليم كردستان العراق ، وتبين لاحقا بان الطرفين متحدان ضد انعقاد المؤتمر الكردي السوري الجامع الذي يسعى اليه اتباع مدرسة آب وغالبية الوطنيين الكرد السوريين المخلصين .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…