اللامركزية: تجربة ناجحة عالمياً

مسلم شيخ حسن- كوباني

تعد اللامركزية من أنجح النماذج الإدارية والسياسية التي طبقتها العديد من الدول في مختلف أصقاع العالم. وهي نظام يوزع السلطة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية، مما يسمح لكل منطقة أو كيان بإدارة شؤونه وفقاً لخصائصه الثقافية والاجتماعية والسياسية. وتكمن قوة هذا النموذج في اعترافه بالتنوع والتعددية وتركيزه على مشاركة جميع الكيانات في الحوكمة وصنع القرار مما يجعله أداة فعالة لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.

لقد أثبتت تجارب دول مثل ألمانيا وكندا والهند وجنوب أفريقيا أن النظام اللامركزي قادر على حماية حقوق مختلف المكونات العرقية واللغوية والدينية ومنحها فرصاً حقيقية للمشاركة السياسية وتقرير مصيرها في إطار دولة واحدة موحدة دون ان تكون عرضة للتهميش أو الإقصاء. فعلى سبيل المثال في الهند، أتاحت اللامركزية النجاح في حكم بلد يضم مئات اللغات والثقافات ضمن اتحاد ديمقراطي. وكذلك في كندا منح النظام الفيدرالي مقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية صلاحيات واسعة للحفاظ على هويتها داخل الدولة.

اللامركزية لا تعني التقسيم أو الانفصال بل على العكس تضمن وحدة الدولة من خلال العدالة. وتساهم في الحد من الصراعات السياسية والحد من هيمنة المركز وفتح آفاق للمناطق الطرفية للمشاركة الفعالة في التنمية وصنع القرار مما يعزز ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها.

أما فيما يتعلق بالحقوق القومية فتمثل اللامركزية فرصة تاريخية لاستعادة حقوق الشعوب التي عانت عقوداً من التهميش. لقد منحت شعوباً كالكرد في العراق والكتالونيين في إسبانيا والشعوب الأصلية في بعض دول أمريكا اللاتينية مجالاً واسعاً لتثبيت حقوقهم القومية واللغوية والثقافية ضمن أطر قانونية ودستورية تضمن استمرار السلم الاجتماعي.

في ظل الأزمات التي يشهدها الشرق الأوسط يعد تطبيق نموذج لامركزية حقيقية ضرورة استراتيجية لإدارة الصراعات وتحقيق التعايش السلمي بين مختلف مكوناته. إنها السبيل الأنجع لحل مشاكل التهميش والتمييز التي عانت طويلاً لا سيما قضايا القوميات التي تطالب بالاعتراف بها وبحقوقها المشروعة.

إن اعتماد اللامركزية اليوم ليس خياراً سياسياً فحسب بل هو حل عقلاني وإنساني يتماشى مع روح العصر ويضمن بناء دول حديثة قائمة على العدل والتعددية واحترام إرادة الشعب.

ختاماً، لا بد من التأكيد على أن الشعب الكردي جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري له تاريخه وهويته وثقافته التي لا يمكن إنكارها أو تهميشها. إن الاعتراف بحقوقه القومية المشروعة كسائر شعوب العالم في إطار نظام فيدرالي لامركزي ليس مجرد ضرورة أخلاقية وسياسية بل هو ضمان حقيقي لوحدة سوريا واستقرارها. لقد عانى الكرد كغيرهم من المكونات طويلاً من سياسات مركزية همشتهم وحرمتهم من وجودهم. لقد حان الوقت لتبني نموذج يضمن العدالة والمشاركة المتساوية. في سوريا اللامركزية والديمقراطية تزدهر كل مكوناتها وتتعزز وحدة البلاد من خلال العدالة لا الإقصاء.

28 / 7 / 2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…