الاعتماد على الغير أساس الفشل

بَارَنْد بِيْرَاني*

 

تعاني الشعوب التي لا تمتلك كيانًا سياسيًا مستقلاً، مثل الشعب الكردي، من معضلات متعددة في مسيرتها نحو تقرير المصير وتحقيق طموحاتها القومية. من أبرز هذه المعضلات: الاعتماد المفرط على قوى خارجية. ويطرح هذا البحث تساؤلات جوهرية حول مخاطر هذه التبعية السياسية والاستراتيجية، وأثرها على حرية القرار، والسيادة، والثقة بالنفس، مقارنة بما يمكن تحقيقه عند بناء القوة الذاتية والاعتماد على النفس.

أولاً: مساوئ الاعتماد على الغير – الحالة الكردية نموذجاً

  1. التحول إلى فريسة لداعمه

عند اعتماد الكيان الكردي أو أي فصيل كردي على قوة خارجية، يتحول مع الوقت إلى أداة بيد تلك القوة، تُستخدم حسب مصالحها لا حسب مصلحة الشعب الكردي. فالداعم، سواء كان دولة أو منظمة، لا يمنح دعمه بدافع الإيثار، بل بدافع استراتيجي يخدم مصالحه الخاصة. وعند تغير المصالح أو تبدل السياسات، يُترك الحليف الضعيف وحيداً في مواجهة خصومه، كما حدث مراراً مع الكرد في العراق وتركيا.

  1. فقدان الحرية السياسية والقرار المستقل

الدعم الخارجي عادة ما يكون مشروطًا، وغالبًا ما يُفرَض على الطرف الأضعف التزامات سياسية أو أمنية لا تصب في مصلحته على المدى الطويل. يفقد القيادي الكردي في هذه الحالة حريته في اتخاذ القرار المستقل، ويضطر إلى التنسيق المستمر مع الجهة الداعمة، بل وحتى إلى تعديل سياساته الداخلية والخارجية لتتوافق مع أجندة الخارج.

  1. التحول إلى تابع لا فاعل

بدلاً من أن يكون فاعلاً إقليميًا له مشروعه الواضح، يتحول الفصيل الكردي إلى تابع في مشروع الغير. فلا يتحرك إلا بموافقة من داعمه، ويصبح نشاطه السياسي مرهونًا برضا تلك الجهة. هذه التبعية تفرغ الحركة الكردية من مضمونها الثوري والتحرري، وتفقدها المصداقية أمام الغير.

  1. التصرف الدائم بدافع الخوف

عندما يعتمد الكيان على قوة خارجية، يصبح القلق من فقدان هذا الدعم هاجسًا دائمًا. يؤدي ذلك إلى سلوك سياسي حذر ومكبّل، لا يجرؤ على اتخاذ مواقف حاسمة، أو التعبير عن مطالب جذرية، خوفًا من “إغضاب” الداعم. ومع مرور الوقت، يفقد الفصيل القدرة على المبادرة، ويتحول إلى كيان خانع يكرر خطاب الداعم ويخشى مخالفة تعليماته.

الخاتمة

يُظهر التاريخ الكردي الحديث أن الاعتماد على الغير، رغم ما قد يوفره من دعم آني، غالبًا ما يتحول إلى عبء استراتيجي، ويعرقل تطور المشروع القومي الكردي. في المقابل، أثبتت تجارب الشعوب أن الاعتماد على النفس هو السبيل الأنجع نحو الحرية الحقيقية. على الكرد أن يتجهوا إلى بناء الذات، واستثمار الطاقات المحلية، وتوحيد الصفوف، لأن من لا يمتلك قوته الذاتية، لا يمتلك قراره، ولا يمكنه أن يحقق طموحاته في وطن حر كريم.

———————————————

*متابع من غربي كردستان

barendbirani@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…