ياسر بادلي
في أعماق الجبال التي لا تعرف الخيانة، وفي حضن الكهوف التي حفظت الأسرار كما تحفظ الأم أبناءها، وُلدت قصة شعب لا يشبه غيره… شعبٌ لم يُمنح العدالة، فصنعها على قممٍ تقاوم الريح والخذلان. إنه الشعب الكوردي، الذي حين أغلقت المدن أبوابها، فتحت له الطبيعة قلبها، وقالت له: اصمد فأنت من طين هذا الجبل.
الكورد ليسوا طارئين على التاريخ، بل من صانعيه. في أرض الهلال الخصيب، حيث التقت الحضارات وارتفعت أولى صرخات الإنسان، وُجد الكوردي. هناك، حيث تشكلت ملامح البشرية الأولى، تشكلت معه ملامح الكبرياء، والإباء، والهوية التي لا تموت.
لم يحمل الكوردي السلاح إلا حين طُعنَ في حريته، ولم يعتدِ على أحد، رغم ما فُرض عليه من حصار وتجريد وتشويه. عاش الكوردي قروناً مؤمناً بالسلام، عاشقاً للديمقراطية، باحثاً عن وطن يعترف به لا كضيف، بل كصاحب أرض وتاريخ وهوية.
وفي كل مرة أُغلق الباب أمام صوته، كانت الجبال تصغي. حين نُفي من الساحات، احتضنته المغارات. لم تكن الكهوف مجرد مأوى، بل كانت شريكة النضال، ورفيقة الليل الطويل، وجداراً يحفظ السر والكرامة. هناك، في الظلمة، وُلد النور الحقيقي نور الإرادة.
الشعب الكوردي لا يسعى للهيمنة، بل للعدالة. لا يطلب المستحيل، بل ما هو مشروع وعادل وطبيعي: الحق في الحياة، في اللغة، في الهوية، في أن يكون. هذا الشعب، الذي قاوم الانكار والتهميش والإبادة، لا يمكن إلغاؤه، لأنه محفور في جغرافيا الروح، ولأنه كلما أُطفئت شعلة، أشعل ألف شعلة من جديد.
آن أوان السلام لا سلام الاستسلام، بل سلام الكرامة. آن أوان الديمقراطية لا كشعار، بل كحق أصيل. آن الأوان أن تجلس كل الأطراف إلى طاولة الحقيقة، وأن يُسمع الصوت الكوردي لا كمشكلة، بل كشريك.
نعم للحرية نعم للسلام نعم للمحبة.
لكن من يمدّ يده لإذلال هذا الشعب، سيلقى أمةً بأكملها تنبض بالعزيمة، لا تهاب الموت، ولا تخون الحياة.