في الثامن من آذار من عام 1963 أعلن نائب الحاكم العرفي في سوريا، حالة الطوارئ، واستناداً إلى ذلك، بسطت السلطات الإدارية والأجهزة الأمنية سطوتها وهيمنتها وجبروتها…على كل شيء في البلاد، وتدخلت بمزاجية وعشوائية في كل شاردة وواردة من حياة المواطنين، دون مراعاة أحكام الدستور والقوانين الوطنية والدولية.
لقد أصبحت حالة الطوارئ خلال السنوات الستة والأربعين الماضية هي القاعدة في سوريا، بينما بقيت الأوضاع العادية في البلاد هي الاستثناء ؟!! وكان لذلك العديد من الإفرازات السلبية والآثار القانونية الخطيرة على حقوق الإنسان، مثل:
كما أن حالة الطوارئ، هي حالة استثنائية تستدعي علاج غير طبيعي ومؤقت…، ويجب أن تعالج وفق طبيعتها وعلى أساسه، وهي في النتيجة تخضع لضوابط وشروط محددة، وهي:
– أن تكون هناك حالة حرب أو حالة تهديد بوقوعها.
– أن تكون هناك حالة تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي القطر أو في جزء منه للخطر بسبب اضطرابات داخلية أو كوارث عامة.
ونعتقد أن حالة الطوارئ في سوريا، انقضت عملياً وفعلياً بمرور الزمن وانقضاء الحالة التي أعلنت من أجلها، وهي التطورات التي طرأت على السلطة، وباستقرار الحكم لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار هذه الحالة المؤقتة، كما أنه لا يوجد ما يبرر الاستمرار في حالة الطوارئ بالاستناد إلى الشروط السابقة التي أتينا على ذكرها، نظراً لعدم وجودها والمعدوم لا ينتج أثراً.
أضف إلى كل ذلك أن قانون إعلان حالة الطوارئ الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ( 51 ) لعام 1962 جاء في إطار حياة برلمانية ديمقراطية وتحت سقف مجلس النواب، وترك القرار في استمرار حالة الطوارئ بيد مجلس النواب، إلا أن المرسوم المذكور الذي تم بموجبه إعلان حالة الطوارئ لم يعرض على البرلمان حتى الآن.
كما أن حالة الحرب التي أجازت المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم ( 51 ) لعام 1962 إعلان حالة الطوارئ في ظلها غير محددة أو معرفة في هذا المرسوم، ولكن قانون الجيش عرف حالة الحرب بأنها: ( الحالة التي تعقب إعلان التعبئة العامة مباشرة ).
ومن المعروف أيضاً، أنه في دولة القانون تكمل التشريعات بعضها بعضاً، الأمر الذي يعني بالضرورة أن إنهاء حالة التعبئة العامة، يعني بالضرورة إنهاء حالة الطوارئ وهذا ما لم يحصل في سوريا.
ونود أن نؤكد هنا أيضاً أن حالة الطوارئ تم الإعلان عنها من قبل مجلس قيادة الثورة بالأمر العسكري رقم ( 2 ) تاريخ 8 / 3 / 1963 في حين أن الجهة المخولة بإعلان حالة الطوارئ في المرسوم المذكور هي مجلس الوزراء المجتمع برئاسة رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن جميع الأوامر العرفية التي صدرت خلال الفترة الماضية إنما صدرت خارج دائرة القانون.
ومن جهة أخرى فأن المادة الثانية من المرسوم التشريعي ( 51 ) لعام 1962 تتعارض مع المادة ( 101 ) من الدستور السوري لجهة السلطة المخولة بإعلان حالة الطوارئ، ففي حين نصت المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم ( 51 ) لعام 1962بأن السلطة المخولة بإعلان حالة الطوارئ هي مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية، جاء في نص المادة ( 101 ) من الدستور السوري لعام 1973 بأن رئيس الجمهورية هو وحده الذي يعلن حالة الطوارئ ويلغيها على الوجه المبين في القانون.
وحيث أن جميع القوانين النافذة في سوريا يجب أن تنسجم مع الدستور وإلا أصبحت غير دستورية ( شرعية القوانين ) وفاقدة لوجودها، لذلك فأن حالة الطوارئ تعتبر غير شرعية وغير دستورية.
استناداً إلى ما تقدم نستطيع أن نقول: أن استمرار العمل بحالة الطوارئ، ليس له مبرر سوى مصادرة الحقوق والحريات الأساسية للمواطن السوري وقمع الحراك المجتمعي للفعاليات السياسية والحقوقية والاجتماعية والثقافية…السورية، وإغراق البلاد في أتون الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية… التي تهدد وحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي ونشر الفساد والإفساد في كل مفاصل الدولة وأجهزتها ومؤسساتها المختلفة وجعل اليد الطولى في البلاد للأجهزة الأمنية للتحكم في الحياة العامة وتعزيز سيطرة الحزب الواحد واحتكاره واستئثاره بكل شيء.
افتتاحية العدد ( 28 ) آذار 2009 من جريدة ( العدالة )، الشهرية، التي تصدرها المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD )