* الدكتور مجيد حقي
*الترجمة الى العربية بتصرف: بوتان زيباري
منذ ولادة الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979، أطلق آية الله روح الله الخميني فتوىً تقضي بوجوب تدمير إسرائيل، واصفًا إياها بـ “الورم السرطاني” الذي يجب استئصاله من خارطة العالم. لم تكن هذه الكلمات مجرد شعارات بل شكلت البنية التحتية لسياسة خارجية ثورية ذات نزعة تصديرية، كانت وما زالت تبث التوتر والعنف في جسد الشرق الأوسط، كما لو أن الزمن نفسه صار ساحة لحرب أبدية بالوكالة.
ومنذ أكثر من ثلاثين عامًا، واصل المرشد الأعلى الحالي، آية الله علي خامنئي، هذا النهج، لكنه منح العقيدة بُعدًا أكثر تنظيمًا وعسكرة. فقد أسّست طهران ورعت وسلّحت شبكةً واسعة من الجماعات بالوكالة، من حزب الله في لبنان، إلى حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، والحوثيين في اليمن، وميليشيات متعددة في سوريا والعراق. هؤلاء لم يكونوا فقط وكلاء، بل أدوات لإيران في حربها اللامتناظرة ضد إسرائيل وحلفائها الغربيين. وإنّ مأساة السابع من أكتوبر 2023، التي ارتكبتها حركة حماس ضد إسرائيل، لا يمكن فهمها خارج هذا السياق؛ لقد كانت عملاً مدروسًا ومدعومًا لوجستيًا وعسكريًا من قبل الجمهورية الإسلامية، بحسب ما توصلت إليه تقارير أجهزة الاستخبارات الدولية.
وفي الوقت ذاته، كانت إيران تمضي قُدمًا في برنامجها النووي، مع تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60%، وهي نسبة تتجاوز بكثير حدود الاستخدام السلمي، وتكاد تلامس الخط الأحمر للأسلحة النووية. وبينما يضمن البند الرابع من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، إلا أن ذلك مشروطٌ بالشفافية والخضوع للمراقبة الدولية، وهما شرطان تنتهكهما إيران منذ سنوات بانتهاجٍ منهجي.
وفي ظل هذا المشهد، فإن من حق إسرائيل، وكل دولة تواجه تهديدًا وجوديًا، أن تدافع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. إذ لا يُطلب من أي أمة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام دعواتٍ معلنة وتدريباتٍ ميدانية تُعدّ لفنائها.
واليوم، باتت نيران الحرب تمتد إلى عمق الجغرافيا الإيرانية، حيث تُستهدف المنشآت العسكرية والاستخباراتية. غير أن هذا ليس فصلاً جديدًا من صراع، بل استمرار لحربٍ أطلقتها الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من أربعة عقود، وفرضتها على شعوب المنطقة والعالم. فالنظام الذي يفاخر بكونه قائدًا لما يُسمى بـ”محور المقاومة” عليه الآن أن يواجه ارتدادات أفعاله.
ولا يحق لطهران أن تتذرع بالقانون الدولي، وهي التي دأبت طوال 45 عامًا على نقض أبسط مبادئه؛ فقد انتهكت المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تحرّم التهديد باستخدام القوة، وتعدّت على سيادة الدول، وتدخلت في شؤونها الداخلية، كما تجاهلت قواعد القانون الإنساني الدولي.
وفي هذا السياق، تبدو لحظة اليوم فرصةً تاريخية لشعوب إيران المتنوعة—من الكورد إلى البلوش، ومن العرب إلى الترك، مرورًا بالفرس الذين عصوا مركزية القمع—للمطالبة بحقهم في تقرير المصير، وهو حق تكفله المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، والتي تؤكد أن “جميع الشعوب لها الحق في تقرير مصيرها”.
فالجمهورية الإسلامية، بما هي عليه من استبدادٍ مركزي، عدو مشتركٌ لشعوب إيران المضطهدة، وللنساء والشباب، ولإسرائيل، وللعالم الديمقراطي. وما دعمها لروسيا بالطائرات المسيّرة والمساندة العسكرية المباشرة في حربها ضد أوكرانيا، إلا دليلٌ إضافي على امتداد التهديد الإيراني إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط، ليطال أمن أوروبا والعالم بأسره.
وعليه، فإن السلام الحقيقي لا يُصنع بمسايرة نظامٍ كهذا، بل بدعم الحركات الديمقراطية داخل إيران، وتمكين إرادة الشعوب التواقة إلى نظام سياسي جديد، تعددي، خاضع للمحاسبة، يتنفس من هواء الكرامة ويكتب مستقبله بيديه.
14 حزيران 2025
* الدكتور مجيد حقي هو كاتب وناشط سياسي ومدافع عن حق تقرير المصير الكردي من كردستان الشرقية (إيران). وهو عضو في المركز الوطني لكردستان الشرقية (NNRK) ويشغل منصب رئيس تحرير موقع Jinamedia.net. يقيم الدكتور حقي حالياً في فنلندا.
* الترجمة الى العربية: بوتان زيباري. كاتب وسياسي كوردي يقيم زيباري حالياً في السويد.