ما هي اللامركزية التي يطالب بها الكورد؟

دلدار بدرخان

في الآونة الأخيرة تزايدت الاجتهادات وتكاثرت التحليلات حول مفهوم اللامركزية التي يطالب بها الكورد فاشتد الجدل، وتداخلت المفاهيم، وتعددت التأويلات حتى كادت الحقيقة أن تضيع بين الأصوات المتشابكة.

وقد ذهب البعض إلى الظن بأن اللامركزية هي قالب جاهز مستورد قابل للتطبيق كما هو، وكأنها وصفة مكتملة تحدد شكل الدولة السورية الجديدة التي ينشدها الكورد.
وآخرون خلطوا بينها وبين الفيدرالية والكونفدرالية، فاعتقدوا أنها نواة لتقسيم مرتقب أو بداية لانفصال مقنّع.
في حين رأى فريق ثالث أنها مجرد آلية إدارية تخص البلديات والمحافظات، ولا تتعدى حدود تسيير الشؤون اليومية.

ولكن الحقيقة أعمق من كل هذه الاختزالات، وأبعد من تلك التصورات،
فاللامركزية كما يراها الكورد ليست قالباً جامداً يُنتزع من تجارب الآخرين ويُفرض على الواقع السوري المركب، بل هي رؤية سياسية مرنة تنبع من خصوصية الأرض، وتستجيب لتنوع المجتمع السوري، وخصوصاً لتاريخ ومعاناة المكون الكوردي.

وهم لا يسعون إلى تكرار نماذج جاهزة ولا إلى نسخ أنظمة مستوردة، بل يطرحون لامركزية بصلاحيات واسعة تقترب في جوهرها من الفيدرالية، دون أن تنسخ شكلها الحرفي، أي
بلا وزارات ولا برلمانات مستقلة، ولا أعلام تعلو فوق علم الدولة، ولكن في المقابل هناك حق كامل في صياغة السياسات المحلية من التعليم إلى الاقتصاد، ومن الأمن إلى الصحة، ومن الثقافة إلى إدارة الموارد.

ولذلك فالمطلب الكوردي لا يقوم على الانفصال بل على الشراكة، ولا يسعى إلى التفرد بل إلى تقاسم السلطات بما يضمن تمثيل الجميع، ويُحصن البلاد من منطق الهيمنة والإقصاء .
والخلاصة أن اللامركزية كما يفهمها الساسة الكورد، ليس طموحاً خارج السياق، وإنما هي ضمانة حقيقية لوحدة سوريا على قاعدة التنوع والشراكة والمساواة ، فإما أن تبنى الدولة على هذا الأساس، وإما أن تعاد ذات الأخطاء التي أوصلتنا إلى الحروب والانهيارات.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…