حوران حم
في 26 نيسان/أبريل 2025، عُقد “كونفرانس وحدة الصف ووحدة الموقف السياسي” في مدينة القامشلي، كمبادرة حملت على عاتقها محاولة توحيد الصف الكردي في سوريا، تزامنًا مع إسقاط النظام السوري السابق، وبدعم ومباركة من قيادتي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في إقليم كردستان، اللتين أرسلتا وفدين رسميين للمشاركة في المؤتمر. كما ترافقت هذه المبادرة مع رسالة من عبد الله أوجلان تدعو إلى حل حزب العمال الكردستاني، ورسائل سياسية موجّهة إلى قيادة كل من حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وقوات سوريا الديمقراطية QSD، لحثهم على التقارب والوصول إلى رؤية موحدة.
لكن المؤتمر، ورغم الزخم الإعلامي والدعم الإقليمي، لم يخرج بما يرضي الشارع الكردي السوري. فعلى الرغم من الترحيب الشعبي النسبي بهذه الخطوة، إلا أن الكثير من المثقفين والسياسيين والناشطين في المجتمع المدني اعتبروا أن هذه “الوحدة” ناقصة الشكل والمضمون، وأنها أقرب إلى اتفاق ثنائي بين طرفين، لا يعكس حقيقة التنوع والتعددية داخل المجتمع الكردي في سوريا.
الكونفرانس الذي ضمّ ENKS وPYD، وشهد حضورًا باهتًا من بعض أحزاب PYNK وشخصيات مستقلة، لم يُسفر عن تشكيل وفد تفاوضي موحد، بل عاد ليسلط الضوء على التناقضات الحادة داخل المشهد السياسي الكردي. وما زاد من الجدل تصريح آلدار خليل، الرئيس المشترك لـPYD، الذي قال في مقابلة مع فضائية كردسات نيوز:
-
إن حل حزب العمال الكردستاني ساهم في خفض التصعيد التركي.
-
إن وفد التفاوض مع دمشق سيمثل الإدارة الذاتية وليس الكرد فقط.
-
أجندات الوفد تشمل تعديل الدستور السوري، والاعتراف بالقضية الكردية، وتحديد شكل النظام والجيش.
-
لا نقبل بسياسات النظام الحالية تجاه العلويين والدروز، وسنطالب بحقوق جميع المكونات.
-
التجييش الإعلامي من قبل النظام ضد قسد غير مقبول.
-
قسد ليست امتدادًا للـPKK، ولن نقبل بإملاءات تركية حول نزع سلاحها.
-
التحالف الدولي لم يُبلّغ الإدارة الذاتية بتسليم ملف داعش.
-
لا يمكن إدارة ملف داعش دون قسد، والغرب يدرك هشاشة مؤسسات النظام السوري.
-
الكرد لن يكونوا ضحايا “لوزان” جديدة، ولدينا تجربة سياسية وعسكرية فريدة في المنطقة.
هذا الموقف يطرح إشكالية كبيرة: هل تمثل الإدارة الذاتية حقًا المشروع الوطني الكردي السوري؟ أم أنها تُعيد إنتاج نهج إقصائي قائم على تمثيل أحادي؟ خصوصًا في ظل التصريحات التركية التي جاءت على لسان الرئيس أردوغان مؤخرًا، حيث وجّه انتقادًا صريحًا لحكومة الشرع، مشيرًا إلى عدم التزام قسد باتفاق آذار، لا سيما بما يخصّ سجون الإرهابيين وتشكيل اللجان المشتركة، في رسالة تحمل الكثير من الرسائل المبطنة.
في خضم هذه الوقائع، جاء صوت سياسي مختلف وأكثر عمقًا من الأستاذ صلاح بدر الدين، الذي وجّه رسالة صريحة لقيادة الإقليم، متسائلًا عن مغزى دعمهم لمؤتمر لم يُثمر، وعمّا إذا كانت رؤيتهم لوحدة الكرد السوريين تقتصر على تفاهمات بين حزبين. في رسالته، دعا بدر الدين إلى:
-
الابتعاد عن دعم الأحزاب المتصارعة، والوقوف إلى جانب الغالبية الشعبية.
-
الدعوة إلى مؤتمر كردي سوري جامع داخل الوطن أو في أربيل.
-
تشكيل لجنة تحضيرية تتألف بغالبيتها من الوطنيين المستقلين، وثلث فقط من الأحزاب لعدم تعطيل المسار.
-
إعادة بناء الحركة السياسية الكردية، واستعادة شرعيتها، وصياغة مشروع سياسي موحد.
-
معالجة الانقسام، وإزالة المظاهر العسكرية، وضمان الحريات، وفتح أفق التفاهم مع دمشق على أساس شراكة وطنية.
من هنا، فإن ما أفسدته التفاهمات الثنائية والنهج الحزبي المغلق، لا يمكن إصلاحه إلا بخطوة أكثر جذرية: مؤتمر جامع يُعيد إنتاج القرار الكردي السوري المستقل، ويُخرجه من أروقة المصالح إلى ساحة الشعب.
اللحظة مفصلية. ومَن لا يُدرك عمق التحوّلات في سوريا ما بعد النظام، سيكون مجرد تابع في مشهد جديد يُرسم دون الكرد، أو على حسابهم.