رفع العقوبات أم التمهيد للانهيار؟

عدنان بدرالدين

 

في توقيت لافت ومشحون بالدلالات، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في 20 أيار/مايو 2025، أن “نظام أحمد الشرع في سوريا قد ينهار في غضون أسابيع”، ما أعاد طرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة الموقف الأميركي من التحولات الجارية في دمشق.

هذا التصريح لم يأتِ بمعزل عن سياقه العام. فقد سبقه بأيام لقاء ثلاثي استثنائي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لقاءٌ تمخض عنه، إلى جانب الاتفاقات الاقتصادية، ما بدا أنه تحوّل ملموس في سياسة واشنطن تجاه النظام السوري الجديد.

ففي خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها استجابة لضغوط حلفائه الإقليميين، أعلن ترامب من الرياض – لا من واشنطن – رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، رغم أن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لا يزال مدرجًا رسميًا على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة.

لكن هذا الانفتاح لم يأتِ بلا مقابل. فقد طرحت واشنطن مجموعة من الشروط على النظام السوري، يتصدّرها مطلب تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو شرط ما زال يلقى معارضة واسعة داخل المجتمع السوري، وقد يؤدي إلى اضطرابات داخلية إن جرى الدفع به من دون توافق وطني يبدو مستبعدًا، على الأقل في المدى المنظور.

اللافت في هذا المشهد هو التباين الظاهري بين موقفي البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية. ففي حين يعلن ترامب انفتاحًا سياسيًا غير مسبوق، يحذر روبيو من انهيار وشيك. إلا أن هذا التباين لا يعكس بالضرورة انقسامًا مؤسساتيًا، بل يبدو أقرب إلى استراتيجية تفاوضية مزدوجة تقوم على الجمع بين الضغط والمرونة.

وفي تطوّر موازٍ، يبدو أن هذا التحول الأميركي، رغم هشاشته، قد شجّع بعض القوى الأوروبية على التفكير في خطوات مماثلة، ولو بتحفظ. فالاتحاد الأوروبي، الذي غالبًا ما يراقب إشارات واشنطن قبل أن يتحرك، بدأ بالفعل مراجعة موقفه من العقوبات المفروضة على سوريا، في محاولة لمواكبة الواقع السياسي الجديد.

يبقى السؤال الأهم: هل تسعى الولايات المتحدة بالفعل إلى منح النظام السوري الجديد فرصة لإثبات قدرته على الاستمرار والاستقرار، أم أنها بصدد تهيئة الساحة لانهيار مدروس يمكن لاحقًا تقديمه كمحصّلة لفشل داخلي في تنفيذ الالتزامات؟

في كلا الاحتمالين، تبدو خيارات أحمد الشرع محدودة ومعقّدة:

فإما القبول بشروط قد تزعزع شرعيته داخليًا وتفتح الباب أمام معارضة أوسع،

أو رفضها، مع ما قد يستتبع ذلك من عودة سيناريوهات الانهيار، بدعم غير مباشر من قوى دولية ما زالت تمسك بخيوط اللعبة.

رسالة واشنطن، رغم تنوع أدواتها، لا تزال ثابتة في مضمونها:

رفع العقوبات لا يعني ضمان البقاء، والمصير مرهون بالامتثال الكامل للشروط الأميركية.

 

21 أيار 2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…