أيها السيدات والسادة، الحضور والمستمعون والمشاهدون،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نتقدم إليكم جميعا، وخاصة إلى أهل المرحوم وذويه ومحبيه ورفاق دربه وقضيته، بأحر التعازي، ونتضرع إلى المولى القدير أن يشمله بعفوه ومغفرته، ويدخله فسيح جناته مع الأولياء والصالحين.
من دواعي سروري وافتخاري أنني تعرفت على القيادي القدوة المرحوم عبد الرحيم وانلي (أبو نوزاد) عام 1980 عند دخولي إلى كلية الحقوق بدمشق، وقد تعرفت عليه عن طريق المرحوم الدكتور باقي ملا، مسؤولنا المباشر في تنظيم البارتي آنذاك. كنا ضمن المكتب الطلابي للبارتي في جامعة دمشق، ومن نشطاء الشباب الكرد الذين انخرطوا في نشر وتعزيز الوعي القومي بين أبناء وبنات شعبنا، والتواصل مع النشطاء وممثلي باقي الشرائح والمكونات القومية والحركات الوطنية التحررية من خارج سوريا.
وخلال فترة قصيرة، تكوّنت لدينا انطباعات إيجابية عن المرحوم، كونه إنسانا واعيا، ناضجا، متواضعا، يحاور الجميع بروحه المرحة والمتزنة. عرف عنه وعن محيطه الاجتماعي تمسكهم بالانتماء القومي، وحرصهم على التحدث بلغتهم الكردية الجميلة والأصيلة، ورفضهم لتغيير اسم حيهم في دمشق من “حي الأكراد” إلى “ركن الدين” كما فرضته السلطات المتعاقبة، في محاولة لتحويل الانتماء القومي إلى انتماء ديني ووطني سوري فقط، ودمجهم قسرا في بوتقة اللغة والثقافة القومية العربية ضمن سياسة التعريب والصهر.
صمد المرحوم عبد الرحيم وانلي، ومعه عائلته (آل وانلي)، وقلة من أكراد الشام – من بينهم عائلة المرحوم محمد خير وانلي (أبو جنكيز) وأدهم وانلي وغيرهم – في الحفاظ على خصوصيتهم القومية. قاموا بنشاطات قومية، مثل النشاط السياسي، وتشجيع الفرق الفنية والفلكلورية الكردية كفرقة آزادي وغيرها، وإحياء عيد نوروز والعديد من المناسبات القومية والكردستانية الأخرى.
أذكر من تحليلاته وتفسيراته التي عبّر عنها وفق منظوره القومي التحرري:
أولا: رفضه لمصطلحي “التهريب” و”المهربين” عند وصف من يتاجرون بالمواد المشروعة (كالغذاء والملابس والأحذية) عبر الحدود المصطنعة بين أجزاء كردستان، معتبرا أنهم يتاجرون بين مدينتين كرديتين، كمن يتاجر بين قامشلو والمدن المجاورة لها. كان يرى في إطلاق هذه التسمية إقرارا بشرعية الحدود الوهمية التي رسمتها الدول الاستعمارية بموجب اتفاقية سايكس–بيكو.
ثانيا: رده الحازم على قيادي شيوعي كان يدافع عن مشروع الحزام العربي، حيث يتم الاستيلاء على أملاك المواطنين الكرد وتسليمها لمؤسسة مزارع الدولة ثم توزيعها على المغمورين، فقال له المرحوم أبو نوزاد:
“يبدو أن الدول المتخلفة تُنتج تقدميين وماركسيين متخلفين أمثالكم.”
ثالثا: رؤيته لمفهوم عضوية مجلس الشعب السوري، حين كلف بالترشح لها من قبل قيادة البارتي في منتصف الثمانينيات. لم يكن هدفه الفوز لمصلحة شخصية، بل خدمة شعبه الكردي والطبقات الكادحة عموما، والعمل على توسيع دائرة أصدقاء الشعب الكردي، وإقناع شرائح من المجتمع بعدالة القضية الكردية، والسعي للحصول على مكاسب قومية، وإزالة المشاريع العنصرية كالحزام العربي، والإحصاء الاستثنائي، والإقرار بشرعية الثقافة الكردية، والسماح بتعليمها إلى جانب العربية، وإلغاء قانون الطوارئ، وكل ما استطاع تحقيقه في هذا المجال. بخلاف الكثيرين ممن كان هدفهم تحقيق منافع شخصية أو لفئة ضيقة من محيطهم الاجتماعي.
إن بيته الشامي المتواضع جدا، وفقر حاله المادي، لم يمنعاه من الحركة والنشاط، واستقبال الضيوف، والعمل التنظيمي والسياسي والتوعوي. حتى أسماء أبنائه وبناته كانت أسماء كردية جميلة، وكذلك محيطه الاجتماعي، حيث زرع فيهم الوعي القومي، وغرس التربية القومية، وأرشدهم للسير على درب الكردايتي، والتضحية بالمصالح الشخصية في سبيل المصالح القومية الكردية والكردستانية.
نتضرع للمولى القدير أن يتغمده وسائر المناضلين والمخلصين والشهداء برحمته، ويدخلهم الفردوس الأعلى، ويستر على الأحياء، ويحقق لشعبنا أهدافه وحقوقه المشروعة.
ودمتم سالمين.
أخوكم: عدنان بشير الرسول – ألمانيا
أربعينية رحيل القيادي القدوة أبو نوزاد – 10.5.2025