صلاح بدرالدين
كانت اجابتي على سؤال – العربي الجديد- خلال المقابلة قبل أسبوع : هل هناك تعاطف كردي سوري مع مشروع عبدالله اوجلان ؟ : ” نعم هناك تعاطف مع مشروع أوجلان في حال حلّ حزب العمّال الكردستاني، وتسليم سلاحه، ليشمل أيضاً جماعات هذا الحزب في سورية، فالكرد السوريون يقرأون المشروع على أن زعيم هذا الحزب ومؤسّسه وصل إلى قناعة بأنه فشل، وبدأ يلحق الضرر بالكرد أنفسهم في كل مكان، ويجب أن نعلم أن الكرد السوريين عانوا كثيراً من قساوة فروع هذا الحزب في سورية، ومنطقتهم أفرغت تقريباً حيث الهجرة والنزوح، وحركتهم السياسية تراجعت، وانقسمت، حتى أن شرور العداوات وصلت إلى داخل المجتمعات، والمناطق الكردية السورية، ثم إن تفاهم أوجلان مع الحكومة التركية قد يفضي إلى إيجاد حلّ عادل للقضية الكردية هناك، وهذا إن تم سيكون موضع سعادة الكرد السوريين واطمئنانهم ” .
وفي هذا اليوم تم الإعلان عن انتهاء اعمال المؤتمر الثاني عشر لهذا الحزب بمشاركة افتراضية عبر الاونلاين من زعيمه ومؤسسه اوجلان ، والموافقة على حل الحزب ، وتسليم السلاح في كل من العراق وتركيا ، وسوريا ، وبدات من الان مرحلة التنفيذ العملي وهي ليست سهلة ، وقد تستمر وقتا .
الوجه الكردي للمعادلة
العملية الجارية بعد نحو نصف قرن من نمو البذور الأولى لتنظيم متطرف نشأ على مفاهيم الشللية والطفولية اليسارية ، والسطو على أموال ( الامبرالية ) في بنوك ( الراسمالية المحلية التابعة للمتروبول الراسمال العالمي ) مرورا بتبني الفكر القومي الشمولي ، ومبدا تحرير كل أجزاء كردستان بالكفاح المسلح ، واستخدام كل الوسائل العنفية بمافيها المصنفة ( اعمالا إرهابية ) ، وإقامة الفروع التابعة للحزب الام في العراق ، وايران ، وسورية ، وتصفية التيارات السياسية الكردية ورموزها المخالفين في الفكر والموقف السياسي ، ومحاربة فيدرالية إقليم كردستان العراق ( اليمينية الرجعية) وإقامة ( الفيدرالية الديموقراطية ) ، والتحالف مع أنظمة سوريا وايران ، والعراق لمواجهة تركيا ، والقضاء على الامبريالية في الشرق الأوسط ، وانتهاء بطي الصفحة القومية ، ورفض مبدأ حق تقرير مصير الشعوب ، ورفع شعار ( الامة الديموقراطية ) ، والتوجه نحو سوريا بتنسيق مع نظام الأسد ، لمواجهة الثورة السورية ، وردع التنظيمات الكردية السورية للحلول محلها باسم الكرد السوريين ، ثم القفزة – البهلوانية – بالتصالح مع ( العدو الامبريالي بل زعيمتها ) .
لنحو أربعين عاما جسد حزب العمال الكردستاني التيار المغامر في الحركة القومية الكردية ، غير الثابت على المبادئ ، المتمسك بالوسائل العسكرية ، وكل ذلك أدى الى خسائر جسيمة بالارواح ، والى هجرات متتالية لكرد تركيا نحو المدن التركية الكبرى مثل استانبول ، وتوقف النمو البشري والاقتصادي في كردستان تركيا ، كما كان سببا في صعود – العسكر – في تركيا ، وضرب العملية الديموقراطية لاستمرارية حالات الطوارئ ، ولاشك ان الالاف من الشباب الكرد انضموا الى صفوف هذا الحزب لدوافع قومية ، وقدموا ارواحهم أيضا .
لاشك ان الحركات السياسية الكردية في كل مكان عليها دراسة تجربة هذا الحزب واستخلاص الدروس منها ، وتقييم كل جوانبها الفكرية ، والتنظيمية ، والسياسية ، وبشكل اخص موضوعة السلاح والعنف والكفاح المسلح ، والعمليات الخارجية ، والعلاقة مع أنظمة الدول المقسمة للكرد ، والاهم من كل ذلك شكل ومضون العلاقات القومية بين كرد بلدان المنطقة .
الوجه الإقليمي للمعادلة
الأنظمة الاربعة في الدول التي تقتسم الكرد بالمنطقة وذات الصبغة الإسلامية تشكل الطرف الاخر من المعادلة ، وهي المعنية كل على حدة بمستقبل اكرادها ، ومنذ استقلال تلك الدول ، وظهور دولها الوطنية ، تناوبت عليها القوى ، والتيارات المختلفة وابرزها التي نادت بالفكر القومي ، في سوريا ( البعث ) ، وتركيا ( الكمالية ) ، والعراق ( البعث ) ، وايران ( الشاهانية القومية ) قبل مجيئ الخميني ، ولم تفشل هذه الأنظمة في حل القضية الكردية فحسب بل زادتها تعقيدا من خلال مخططات التهجير ، وتغيير التركيب الديموغرافي ، والقمع المنظم الى حدود الإبادة ، واساءت بذلك الى شعوبها ، وتطور بلدانها ، وعجزها عن بناء الدولة الوطنية لكل مكوناتها ، او تحقيق الوحدة الوطنية .
تحققت اتفاقية الحكم الذاتي لكردستان العراق خلال حكم البعث ولكنها لم تدم طويلا وكانت مجرد تكتيك ، فتم التراجع عنها بقانون عام ١٩٧٤ ، واعلن نظام البعث الحرب على شعب كردستان ، وحصلت مجازر وكوارث رهيبة ( حلبجة – الانفال ) وغير ذلك ، ثم تحالفت الحركة الكردستانية مع المعارضة العراقية بغالبتها الإسلامية ، وتم التوافق فبل اسقاط النظام على الفيدرالية لإقليم كردستان ، وهذا ماحصل ، وحتى الان ورغم كل النواقص مازالت العلاقة حسنة مع الحكومات العراقية التي تديرها القوى الإسلامية الشيعية .
واذا ما تحقق مشروع – اوجلان – السلمي ، وتم الاتفاق مع حكومة – اردوغان – الإسلامية – حول حل القضية الكردية في تركيا ، فسيكون ذلك الإنجاز التاريخي الثاني بعد الحل السلمي للقضية الكردية في العراق بالعصر الحديث .
كل الدلائل تشير الى إمكانية إيجاد حل للقضية الكردية في سوريا أيضا بعد سقوط نظام الاستبداد ، واستعداد الإدارة الانتقالية – الإسلامية – لتفهم الوضع الكردي حسب تصريحات مسؤوليها ، وان تحقق ذلك سنكون امام انجاز تاريخي ثالث .
من الوارد وبعد – قصقصة – اجنحة النظام الإيراني ان يعود الى رشده ، ويستجيب لارادة شعوب ايران في التحرر والخلاص وفي المقدمة الشعب الكردي ، وبذلك سنصل الى نهاية الماسي ، والاضطهاد القومي .
من المؤكد ان حل القضية الكردية في أي بلد وفي ظل اية حكومة على أساس تلبية الحقوق القومية ، والثقافية ، والسياسية ، والاجتماعية هو جزء من العملية الديموقراطية الأساسية حتى لو لم تعلن ، وهو تعزيزلتماسك الدول ، وترسيخ للوحدة الوطنية .
هل كرد المنطقة امام مرحلة تاريخية جديدة ؟ وهل قواهم وبالاحرى احزابهم الراهنة في مستوى استيعاب نتائج الهزات الزلزالية التي بدات وقد تستمر ؟ وهل ستحذو تلك الأحزاب حذو حزب العمال الكردستاني ومبادرة زعيمه الشجاعة ؟