جوانا جمعة الكلمة في وجه القصف والبسمة في زمن الحرب

د. محمود عباس

 

في زمن تتكاثر فيه الأصوات المرتعشة، وتغيب فيه الحقيقة تحت ركام البروباغندا، برزت الإعلامية الكوردية جوانا جمعة (Ciwana Cumaa) كصوتٍ نقيّ، يحمل الكاميرا كأنها بندقية، والكلمة كأنها ترسُ مقاومةٍ لا يلين. منذ أكثر من عامين، وهي تُوثّق الأحداث الجارية على سد تشرين، الذي لم يعد مجرد منشأة مائية، بل بات يُعرف باسم سد المواجهة، رمزًا لصمود شعبٍ، وتحدي وطنٍ، وإرادة لا تنكسر.

لم تكن تقارير جوانا جمعة مجرد نقل للأخبار، بل شهادة حية على التلاحم بين المدنيين والمقاتلين، بين الحلم والإصرار، بين من يُدافعون عن الأرض بالسلاح، ومن يُدافعون عنها بالصوت والصورة، فبين هدير الطائرات التركية، وأصوات القذائف التي أرادت أن تُطفئ نور الحياة، كانت جوانا هناك، وسط الناس، في المسيرات، في الحفلات المدنية، في الفعاليات الثقافية، وعلى خطوط التماس، تُصغي للناس، وتُوثق مواقفهم، وتنقل صوتهم للعالم بلغاتٍ من الإنسانية والإصرار.

سد تشرين لم يكن مجرد جغرافيا قابلة للاجتياح، بل فضاءً للمقاومة السلمية أيضًا، واجهت فيه جموع من المدنيين بأساليب حضارية هجمات الاحتلال التركي وأدواته. وكانت جوانا، بحضورها اليومي، تزرع الثقة في النفوس، وتُعيد تشكيل صورة المرأة الكوردية لا كضحية، بل كفاعلٍ ومؤثرٍ ومُلهم.

إن جوانا جمعة لا تُقدَّر فقط بما نقلته من تقارير، بل بما عكسته من صورة راقية للمرأة الكوردية المناضلة، شابة أنيقة، جميلة الشكل والحضور، مُشرقة الوجه، بليغة في الكلام، بلغة كوردية نقية، لم تغادرها البسمة رغم قسوة المشهد، ولم تنكسر رغم المصاعب، صمودها الإعلامي كان امتدادًا لصمود المقاتلات الكورديات على الجبهات، تلك اللواتي واجهن الموت كي تبقى كوردستان حيّة في وجدان الشعوب.

جوانا لم تكن فقط مراسلةً تُنقل الخبر، بل كانت شاهدًا على التاريخ، وصوتًا للناس، وبوصلةً للحق، جعلت من سد تشرين منبرًا للحرية، ومن الميدان شاشةً يُشاهد من خلالها العالم كيف يصنع الكورد الحياة في قلب النار.

لذلك، تستحق جوانا جمعة كل التقدير، من الكورد أولاً، ومن كل من يُؤمن بأن الحقيقة لا تُصنع في المكاتب، بل في ميادين المقاومة، تحت القصف، وأمام العدسات، وبقلبٍ لا يخاف.

شكرًا جوانا، لأنك اخترتِ الطريق الأصعب، ومشيتِه بثبات، ورفعتِ راية الحقيقة في زمنٍ تكالبت فيه الرايات الزائفة.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

16/4/2025م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…