السيد الرئيس الشرع: لا أوافق على دستورك ورئاستك بهذه الصيغة!

إبراهيم اليوسف

 

لقد أصيب ملايين الكرد  السوريين كما أخوتهم السوريين، داخل الوطن وخارجه، بخيبة أمل كبيرة بعد تلقيهم مسودة الدستور السوري الجديد التي أقرت من قبل السيد أحمد الشرع، دون أن تتضمن أي إشارة إلى الكرد أو حتى مضمون الاتفاق الذي تم مع السيد مظلوم عبدي. ذلك الاتفاق الذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع الكردي بين رافضين لم يجدوا فيه ما يلبي المطالب والحقوق الكردية، وبين متقبلين على مضض، انطلاقاً من سببين هما:

منع الحرب التي كان بعض صناع الفتنة العنصريين يهيئون لها، وهم الذين سرعان ما انقلبوا على جيرانهم وشركائهم الكرد.

تطوير مسودة أولية تنكر خصوصية الكردي على أرضه، على أمل تعديلها لاحقاً بما يحقق المطالب الكردية، سواء من منطلقات حزبية أيديولوجية تبعية، أو عبر جهود عملية تهدف إلى تحقيق الحد الأدنى من الحقوق.

لكن ما حدث فعلياً كان بعيداً عن هذه التوقعات؛ فقد تم تشكيل لجنة تحضيرية ذات لون واحد، أو بلون ذي تدرجات متماهية مع اللون الواحد، متجاهلة وجود الكرد باعتبارهم ثاني أكبر قومية في سوريا، فضلاً عن تجاهل المسيحيين، العلويين، والدروز. ما أثار استياء الشارع السوري، لا سيما وأن الدستور الجديد بدا وكأنه يعبر عن طائفة واحدة، وجاء وفق توجيهات شخص واحد، وطرف واحد.

لقد صرّح السيد الشرع في مقابلة مع إحدى الفضائيات بأن المرحلة الانتقالية ستستمر ستة أشهر، وأن كتابة الدستور ستستغرق أربع سنوات. غير أن المفاجأة جاءت بأن كل شيء قد أُنجز في أقل من شهر واحد! ناهيك عن تحديد ديانة رئيس الجمهورية بالإسلام، وتحديد الفترة الرئاسية بخمس سنوات، ما يحقق طموح الرئيس الشاب إلى التمديد لولاية ثانية وثالثة، ضمن نموذج يستلهم تجربة الأسدين: الأب والابن، المحصنين بالدكتاتورية الأبدية!

إن غالبية السوريين-  باستثناء الموالين للنظام المجرم-  ابتهجوا بسقوط النظام، وعقدوا الآمال على أي مخلص ينقذهم من براثنه. وقد رأت أوساط كثيرة أن السيد الشرع قادر على أن يكون موئل أملهم، متحرراً من شخصيته الأولى “أبي محمد الجولاني”. فليس مستبعداً أن يتمكن أي شخص من تطوير ذاته، لأن الحياة في تطور دائم، وكذلك بناء الشخصية على المستويات العقلية والفكرية والرؤيوية، وأنا أحد هؤلاء!

ولكن، عندما يتم إنكار حقوق الآخرين وتنفيذ أجندات حاقدة تحركها نزعات ثأرية عمرها قرون، أو أيديولوجيات قوموية زرعها البعث العنصري الفاشي، تتحول الثورة إلى مركبة جديدة لأولئك الذين انتقلوا إليها لهذا السبب أو ذاك. عندها، يصبح من الضروري تحليل كل حالة على حدة، واستقراء النزعات الذاتية المدمرة الكامنة وراء هذه التوجهات، والتي قد تتحول إلى عوامل وبائية تقوض اللحمة الوطنية، إذا ما تُرجمت إلى قرارات سلطوية.

كيف يمكن فرض مصطلح الجمهورية العربية السورية على بلد قائم على التعددية، وهو مصطلح فُرض سابقاً من قبل مغتصبي السلطة، ثم يُعاد فرضه مجدداً من قبل مغتصبين جدد؟ كيف يتم تأسيس ما يسمى المجلس القومي دون الأخذ في الاعتبار التنوع الديني والقومي في البلاد؟

أما فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، والانتهاكات التي يقوم عليها هذا الدستور، فإن الوضع أكثر كارثية. ثم كيف يمكن إصدار دستور جديد بينما لا تزال جثث مئات- إن لم يكن آلاف- السوريين ملقاة في الشوارع، أو حبيسة شققها، أو تم التخلص منها دون معرفة مصيرها؟ ماذا عن الذين اعتُقلوا دون محاكمة، حتى وإن كانوا متهمين؟ أليس من الواجب تقديمهم للعدالة؟

كيف تقبل-  وأنت الصائم كما أفترض-  أن تُرتكب المجازر بحق صائمين لمجرد انتمائهم العلوي؟ كيف تسوغ ذلك؟ لقد كتبت وأكتب كثيراً في هذا السياق، وما زلت أجد نفسي مذهولاً من ازدواجية المعايير في المشهد السياسي الراهن.

أما عن توقيعك الاتفاق مع السيد مظلوم عبدي بخصوص قسد، فما هو موقفك الآن؟ لماذا يتم تناسي الكرد السوريين عمداً، رغم أنهم كانوا في طليعة المدافعين عن قضاياهم القومية والوطنية لعقود طويلة؟ لماذا يتم تهميش الأحزاب الكردية التاريخية، رغم أنها ساهمت في بناء سوريا الحديثة، ورغم ما قدمته من تضحيات في سبيل الوطن؟

لا أفهم كيف سمح السيد الشرع لنفسه بإعلان تنصيبه بناءً على مبايعة قادة فصائل تلطخت أيديهم بالدم والفساد؟ كيف يسمح لنفسه بتشكيل الحكومة بمفرده، ومنح نفسه حق تعيين ثلث أعضاء البرلمان؟

هناك أسئلة كثيرة يمكن طرحها، لكن رغم كل الألم الذي أشعر به، لا زلت أتوهم- أو بالأحرى أحلم-  بأن يرفض السيد الشرع هذا المخطط الجهنمي، رغم كل الإغراءات التي تحيط به. لا يزال بإمكانه قلب الطاولة على المشعوذين من حوله، الذين لا يريدون له ولا لبلده الخير. عندها فقط، يمكن للسوريين جميعاً، بكل فسيفسائهم، أن يقبلوا به رئيساً، لكن بعيداً عن كل ما تم ويتم حتى الآن!

شارك المقال :

1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…