نحو رؤية سياسية موحدة للكرد في سوريا

خورشيد شوزي

 

في ظل الأوضاع المعقدة التي تشهدها سوريا، يبقى النهج الإقصائي الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع أحد العوامل الأساسية في تعميق الأزمات بدلاً من حلها. فالتهميش المستمر ورفض التعددية السياسية يضعف أسس الاستقرار، ويؤدي إلى إعادة إنتاج أخطاء الماضي. أي سلطة تسعى إلى بناء دولة قوية ومستقرة لا بد أن تعتمد على مبدأ الشراكة الوطنية، وتعزز التعددية بدلاً من إقصاء المكونات الأخرى تحت ذرائع واهية.

إن وحدة الموقف الكردي في سوريا تُعد من القضايا الجوهرية التي ستحدد مستقبلهم السياسي. غير أن الخلافات الشخصية بين القيادات الكردية المختلفة شكلت عائقاً كبيراً أمام تحقيق هذه الوحدة. الحل يكمن في خلق بيئة سياسية تعاونية تقوم على الحوار البناء، وإزالة التصدعات التي تضر بالموقف الكردي ككل. فالاتفاق على المطالب الرئيسية مثل الحقوق الثقافية، والسياسية، والإدارية، وكذلك تحديد طبيعة العلاقة مع النظام السوري وباقي القوى السياسية، يعد خطوة أساسية في رسم مستقبل أكثر وضوحاً للكرد، ويفضل في هذا السياق التمسك بالنظام الفيدرالي كإطار يضمن توزيعاً عادلاً للسلطة.

ورغم الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه الكرد في المعادلة السورية، إلا أن انقساماتهم الداخلية والتباينات الأيديولوجية جعلتهم غير قادرين على فرض مطالبهم بثقة وقوة. فرغم التضحيات الجسيمة التي قدموها في الحرب ضد الإرهاب، إلا أن القوى السياسية التي تدّعي تمثيلهم أخفقت في ترجمة هذه التضحيات إلى مكاسب سياسية دائمة. بدلاً من البناء على هذه الإنجازات، ظلت هذه القوى عالقة في صراعاتها الداخلية، مما أضعف موقفهم على المستويين المحلي والدولي.

إن مستقبل الفيدرالية لغربي كردستان في سوريا يواجه تحديات متزايدة. فإلى جانب الرفض الإقليمي لهذا المشروع، تظل الخلافات الداخلية بين القوى الكردية عاملاً رئيسياً في إضعاف هذا الطرح. بدلاً من تبني رؤية موحدة، استمرت الانقسامات بين الأحزاب والتشكيلات السياسية المختلفة، مما أضعف موقفهم التفاوضي وجعلهم أكثر عرضة للضغوط الخارجية. هذه الانقسامات أضرت بالموقف الكردي وجعلتهم مجرد ورقة تفاوضية في يد القوى الإقليمية والدولية، بدلاً من أن يكونوا فاعلين أساسيين في رسم مستقبل سوريا.

اليوم، يجد الكرد أنفسهم في موقف صعب، حيث لم يعودوا الطرف الأقوى في أي مفاوضات تخص مستقبل البلاد. على الرغم من دورهم البارز، فإنهم لا يزالون يسعون للحصول على اعتراف بسيط بدورهم، بينما يتم تهميشهم لصالح قوى أخرى تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة. حتى الحوارات السياسية التي كان من المفترض أن تعكس ثقلهم لم تُجرَ بشكل رسمي، بل تمت عبر شخصيات ثانوية بلا نفوذ حقيقي، وهو ما يعكس استخفافاً بمطالبهم.

إن استمرار هذا الوضع دون تغيير سيؤدي إلى إقصاء الكرد من معادلات القوة في سوريا، وجعلهم مجرد متفرجين على إعادة تشكيل المنطقة، بدلاً من أن يكونوا شركاء أساسيين في تقرير مصيرهم. لذلك، فإن المطلوب اليوم هو تبني استراتيجية سياسية موحدة وقوية تعكس حجم التضحيات التي قدمها الشعب الكردي. يجب على القوى الكردية أن تتحرك بثقة أكبر، وأن تفرض نفسها كلاعب أساسي في المعادلة السورية، وليس كطرف تابع يتلقى الإملاءات.

التاريخ يثبت أن من يطالب بحقوقه كاملة يحصل على جزء منها على الأقل، أما من يرضى بالفتات، فلن يحصل حتى على ذلك. إن لم تغيّر القيادات الكردية نهجها، وتعمل على تحقيق وحدة الصف، فستظل القضية الكردية عالقة، والكرد أنفسهم سيظلون أداة بيد القوى الكبرى، بلا تأثير حقيقي على مستقبلهم ومستقبل وطنهم.

شارك المقال :

5 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…