زاكروس عثمان
بغض النظر عن خطاباته المخملية الموجه اصلا الى الخارج لم يقدم الجولاني على المساس بالقواعد الاساسية التي قامت عليها سوريا الاسد، وذلك بالإبقاء على شكل الدولة المركزية، وتركيز السلطة بيد التيار السلفي ـ الشوفيني وإنشاء بطانة من الانتهازيين والطفيليين وصيادي المناصب، مقابل تهميش واستبعاد القوى العلمانية الديموقراطية عامة و تحديدا احزاب الحركة الكوردية المطالبة بصيغة من الفيدرالية او الحكم الذاتي.
حكومة سلفية بنكهة شوفينية ـ دكتاتورية
يؤكد الجولاني و فريقه في تصريحاتهم المتكررة على الدولة المركزية ورفضهم لأي شكل من اشكال الحكم الذاتي، في إشارة منهم إلى انكار قضية كوردستان روژئاڤا (كوردستان سوريا) والاستمرار في سياسة طمس و تذويب القومية الكوردية التي اتبعتها الحكومات السورية المتعاقبة منذ انتهاء الانتداب الفرنسي إلى اليوم، و ما زاد الطين بلة هو ان مجموعة ارهابيين فُتِحَ لهم الباب ليصبحوا حكام سوريا اخذوا يدمجون عقيدتهم السلفية الجهادوية بالفكر الشوفيني العروبي، في السعي إلى اعادة تدوير الدولة المركزية للإتيان بنظام دكتاتوري شبيه بدكتاتورية الاسد من حيث الاسلوب والمضمون مع اختلافات شكلية طفيفة، فالدكتاتوريات مهما اختلفت يبقى جوهرها واحد، وما دامت حكومة دمشق السلفية تتصرف بعقلية (من يحرر يقرر) فأنها لا تجد سوريا شعب وارض بل ارض غنائم ـ انعم الله عليهم بفتحهاـ وتبعا للشريعة فان كل ما عليها من بشر وثروات غنائم للفاتحين، بموجب هذه القاعدة تنظم المعاملة على قاعدة غالب و مغلوب، الغالب حر التصرف في المغلوب، وهذا ما يحدث بالفعل حيث نجد صاحب الغلبة “العرب” يخيرون الكورد “المستضعفين” بين قبول سياسة الصهر القومي السبي النفي او الذبح، كما نجد السنة الغالبين يقومون بعمليات تطهير على الهوية بحق العلويين والشيعة “المغلوبين” مع التضييق على المسيحيين، و يهدف الجولاني من وراء ذلك إلى تكريس دكتاتورية القومية الواحدة الدين الواحد.
دولة ام محمية ارهابية
ثمة قلق من استمرار دول عربية واقليمية وغربية عديدة في دعم توجهات الجولاني في الاستيلاء على الدولة السورية لتحويلها إلى امارة سلفية واحاطتها بسور لتجميع الارهابيين من حول العالم فيها مقابل تعهد الحكومة السلفية بعدم السماح لهؤلاء الارهابيين من تنفيذ هجمات خارج سوريا انطلاقا من اراضيها، وترى الدكتورة وفاء سلطان ان مثل هذا المخطط يلبي طلب الدول الخليجية والاردن في ايجاد سد يمنع انتقال ربيع الاضطرابات اليها، وتضيف ان مشروع الامارة السلفية المحاطة بسور يخدم الدول الاوروبية ايضا و ذلك بالحد من تسلل الارهابيين إلى اراضيها وإيقاف موجات الهجرة اليها، بكلام آخر هذه الدول غير معنية كثيرا بالشأن الداخلي السوري، وان مطالبتها للجولاني بتشكيل حكومة تعددية شاملة لمختلف المكونات و…الخ ليست اكثر من ذر الرماد في العيون لمطمئنة القوى المدافعة عن الحرية و الديموقراطية وحقوق الانسان في برلماناتها، فهل تستمر هذه الدول في سياسة غض النظرعن تمادي الجولاني في الانفراد بالسلطة واحتكارها بيد بطانته من الجهادويين، وماذا عن موقف الدول من الحكومة السلفية التي تستقوي بتركيا وتتجه قدما إلى انكار قضية كوردستان روژئاڤا، هل تملي عليها التوافقات ان تغض النظر عن هذه المسألة الخطيرة، ام انها ستضع خط احمر امام الجولاني تفاديا لحرب طاحنة ستشعل سوريا كاملة من جديد، ثمة من يقول انهم جاؤوا بالجولاني ليقوم بمهام محددة ومن ثم يتم اقصائه كما اقصي الاخواني محمد مرسي الرئيس المصري السابق، لكن هناك من يعتقد ان التوافق الدولي يجهز الجولاني ليكون رئيس دائم لسوريا، هذا يجعل التكهن بمصير الكورد صعبا، ترى هل يبقى وضعهم على حاله ام يتجه إلى الافضل ام انه ينحدر إلى الاسوأ، لانهم ما كادوا يتخلصون من منظومة دكتاتورية شوفينية ضعيفة، منبوذة اقليميا و دوليا، حتى وجدوا انفسهم في مواجهة منظومة استبدادية سلفية تتلقى دعم وترحيب عربي اقليمي و دولي.
بلد متعدد الثقافات لا يحتمل دولة مركزية
رغم دعم عشرات الدول لحكومة الجولاني السلفية يبدو ان الامور لن تستقر بسهولة، بل من الممكن أن تنفجر صراعات بين جيش السلفيين وقوى مختلفة ما يؤدي إلى سلطة مهزوزة عاجزة عن تأدية مهامها، وبالنظر إلى التركيبة القومية والطائفية في سوريا، فان لكل منطقة لكل مكون قومي او ديني ثقافة خاصة مميزة ومختلفة عن ثقافات المكونات الاخرى، على سبيل المثال ثقافة سكان الساحل ثقافة منفتحة لا دينية، فيما ثقافة جيرانهم في المنطقة الوسطى دينية محافظة، كذلك ثقافة الكورد علمانية متسامحة تعطي المراة مكانة خاصة، فيما جيرانهم العرب يتبعون عادات وتقاليد عشائرية، بكلمة اخرى هناك مجتمعات عديدة في سوريا بعضها تمتلك ثقافات تحترم الحريات العامة والفردية وترفض الوصاية، بالمقابل توجد مجتمعات ثقافتها تلغي الحرية وتفرض الوصاية، في ظل هذا التنوع الهائل كيف يمكن جمع هذه المجتمعات في دولة مركزية واحدة، تفرض شريعة واحدة قانون واحد على الجميع، ماذا لو اصدر وزير العدل في حكومة هيئة تحرير الشام الارهابية تشريعا يفرض الحجاب والبرقع على كل نساء سوريا بما فيهن نساء الكورد الدروز العلويين الاسماعيليين والايزيديين، فيما ثقافة الحجاب لا توجد لدى هذه المكونات، طيب في حال رفضن الامر ماذا سيفعل وزير العدل هل يضعهن في السجن ام يجلدنهن ام يفرغ رصاصة مجاهدة في رؤوسهن، قياسا على هذا المثال البسيط نقول ان نظام الدولة المركزية لا يصلح لسوريا بل يجلب لها الكوارث ويزيد من احتمالات تقسيم بلد ـ هو مقسم عمليا ـ التقسيم لا يطال الارض فقط بل كذلك الشعوب السورية لم تعد موحدة، ويمكن ملاحظة الكم الهائل من خطاب الكراهية والتحريض المتبادلة على منصات التواصل بين العرب والكورد بين السنة و العلويين، حساسيات كانت موجودة قبل سقوط نظام الاسد ولكنها تحولت إلى حرب إعلامية منذ الساعات الاولى لهروبه، حيث يشن المكون العربي حملات اساءة منظمة مكثفة على المكون الكوردي ليقوم بالمعاملة بالمثل، العرب يعبرون بالشتائم والاساءة عن عدم قبولهم للكورد وعن انكار وجودهم على ارضهم الملحقة بسوريا، و الكورد يردون الاساءة بمثلها، ودخل عامل جديد إلى هذه الحرب حين وجد العرب في الجولاني خليفة عربي يعيد الخلافة الاموية، فيما وجده الكورد زعيم تنظيم ارهابي يريد إمارة سلفية، وعليه يرحب العرب بتطبيق الشريعة فيما يطالب الكورد بدستور وضعي وقانون علماني، ووصل الامر بالعرب إلى تكفير الكورد اي هدر دمهم.
يتبع ج3