مستقبل القضية الكردية في سوريا: بين التحديات والفرص

إبراهيم كابان
بعد أكثر من عقد على اندلاع الصراع السوري، لا تزال القضية الكردية في سوريا دون حل واضح، رغم النجاحات العسكرية والإدارية التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. وبينما يطمح الكورد إلى تحقيق شكل من أشكال الإدارة الذاتية أو الحكم اللامركزي، تقف تحديات داخلية وخارجية أمام تحقيق هذا الهدف. في ظل التأثير التركي المتزايد على حكومة أحمد الشرع (إن صحت التسمية) وحسابات القوى الدولية مثل واشنطن وباريس، تبقى مسألة مستقبل الكورد السوريين رهينة للعبة التوازنات الإقليمية والدولية.
حظوظ الكورد السوريين في تحقيق إدارة ذاتية أو إقليم لا مركزي
تعتمد إمكانية تحقيق الكورد السوريين لهدفهم في الإدارة الذاتية أو الحكم اللامركزي على عوامل عدة:
  1. الموقف الدولي: الولايات المتحدة وفرنسا من أبرز الداعمين لـ”قسد”، لكن دعمهما مشروط بالمصالح الجيوسياسية. رغم ذلك، تسعى الدولتان إلى ضمان دور للكورد في التسوية السورية لحماية نفوذهما شرق الفرات ومنع عودة “داعش”.
  2. الموقف السوري الرسمي: دمشق، رغم ضعفها، ترفض الاعتراف بإدارة ذاتية كردية وتعتبر قسد قوة انفصالية، لكنها قد تضطر للقبول بتسوية محدودة تحت الضغط الدولي.
  3. التأثير التركي: أنقرة تعتبر “قسد” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) وترفض أي كيان كردي على حدودها. وقد استخدمت نفوذها في المعارضة السورية لمنع أي تنازلات لصالح الكورد.
  4. الوضع الداخلي الكردي: الانقسام السياسي بين المجلس الوطني الكردي المدعوم من تركيا والإدارة الذاتية التي تُتهم بالارتباط بـ(PKK) يضعف الموقف الكردي في المفاوضات مع دمشق.
العوامل التي يجب أن يستغلها الكورد للضغط على دمشق
لتحقيق تقدم سياسي يضمن لهم حقوقهم، يجب على الكورد السوريين اتباع استراتيجية شاملة تشمل:
تعزيز الوحدة الداخلية: الخلافات بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي يجب أن تُحل عبر توافق سياسي، لأن الانقسام يضعف الموقف التفاوضي.
تعزيز التحالفات الدولية: استمرار التعاون مع واشنطن وباريس ضروري، ولكن ينبغي السعي للحصول على دعم أوسع يشمل موسكو لضمان دور في أي تسوية سياسية قادمة.
استخدام النفوذ العسكري والاقتصادي: تسيطر الإدارة الذاتية على مناطق غنية بالنفط والمياه والزراعة، وهذه الأوراق يمكن استخدامها للضغط على دمشق للحصول على مكاسب سياسية.
تحسين العلاقة مع العرب والسريان: تعزيز العلاقات مع المكونات الأخرى شرق الفرات يزيد من شرعية المطالب الكردية، ويُصعب على دمشق وأنقرة عزل القضية الكردية.
هل سينجح الكورد في بناء موقف موحد بعد عقد من الانقسام؟
المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية تبنيا استراتيجيات متناقضة خلال السنوات الماضية. الأول راهن على تركيا والمعارضة السورية، بينما تبنت الإدارة الذاتية سياسة ترتبط بالـ(PKK)، ما أدى إلى استقطاب حاد. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى موقف موحد باتت أكثر إلحاحًا، خاصة مع تزايد الضغوط الإقليمية والدولية.
إعادة توحيد الصف الكردي تتطلب:
تحييد الخلافات الأيديولوجية والتركيز على الأهداف المشتركة، مثل الاعتراف الدستوري بالحقوق الكردية وضمان اللامركزية.
الاتفاق على آلية تفاوض موحدة مع دمشق تضمن إشراك جميع القوى السياسية الكردية.
ضمان استقلالية القرار الكردي بعيدًا عن الأجندات الإقليمية، سواء التركية أو الإيرانية.
الاستراتيجية المطلوبة في هذه المرحلة
لمواجهة التحديات، يجب على الكورد تبني استراتيجية توازن بين الضغط العسكري، والتفاوض السياسي، وبناء التحالفات. وتشمل هذه الاستراتيجية:
  1. تعزيز الوجود السياسي والعسكري لقسد لضمان الاعتراف بها كقوة فاعلة في أي حل سياسي.
  2. التفاوض بمرونة مع دمشق والسعي لتفاهمات مرحلية تضمن حقوق الكورد ضمن سوريا موحدة.
  3. عدم الرهان فقط على واشنطن بل البحث عن تفاهمات مع موسكو، التي تمتلك نفوذًا على دمشق.
  4. تقليل التبعية لحزب العمال الكردستاني (PKK) لضمان عدم إعطاء تركيا مبررات إضافية للهجوم على المناطق الكردية.
هل تمارس واشنطن وباريس ضغوطًا على دمشق لحجز مكان للكورد في التسوية القادمة؟
الولايات المتحدة وفرنسا تدعمان بقاء قسد كقوة فاعلة شرق الفرات، لكنهما لا تضغطان بشكل كافٍ على دمشق لمنح الكورد حقوقًا سياسية واضحة. واشنطن تتعامل مع قسد من منظور استراتيجي لمكافحة “داعش” ومواجهة النفوذ الإيراني، لكنها لم تفرض شروطًا صارمة على دمشق بشأن الحقوق الكردية.
إذا أرادت القوى الكردية ضمان دورها في مستقبل سوريا، فعليها العمل على:
دفع واشنطن وباريس لربط أي تسوية سياسية في سوريا بضمان حقوق الكورد.
تحقيق اختراقات دبلوماسية مع روسيا لضمان عدم استخدام دمشق الدعم الروسي لقمع الطموحات الكردية.
الضغط عبر القوى الدولية لضمان عدم تسليم مناطق “قسد” إلى دمشق دون ضمانات دستورية.
المحصلة
القضية الكردية في سوريا أمام مفترق طرق، حيث تفرض التوازنات الإقليمية والدولية تحديات كبيرة. نجاح الكورد في تحقيق مطالبهم يعتمد على توحيد صفوفهم، وتعزيز تحالفاتهم، واستخدام نفوذهم العسكري والاقتصادي بذكاء. في ظل الضغط التركي وتأرجح الموقف الدولي، يبقى تحقيق إدارة ذاتية أو إقليم لا مركزي ممكنًا فقط إذا تمكن الكورد من تجاوز انقساماتهم الداخلية واللعب بمهارة في ساحة السياسة الإقليمية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…